|
||
|
الفصل الثالث للعدل الكامل في العالم
تمهيد : تحدثنا في فصل سابق عن ضمانات انتصار المهدي (ع) ، في سيطرته على العالم ، ضد قوى الشر والظلم الموجودة قبل ظهوره. والآن نتحدث عن الضمانات التي يملكها الإمام المهدي في التطبيق السريع والأكيد والعميق للأطروحة العادلة الكاملة ، في عالم كان يضج بالظلم والآلام والمشاكل. وهي ضمانات موجودة في شخصه وأصحابه والظروف العالمية ، لا يمكن أن تتوفر لأي شخص آخر. وهي ضمانات تشترك في بعض تفاصيلها مع الضمانات السابقة ،أعني أن شيئاً واحداً كما يكون ضماناً للإنتصار ، فإنه ضمان للتطبيق أيضاً ،وإن اختص التطبيق بضمانات خاصة به على أي حال. وأغلب هذه الضمانات تنتج مستويين للتطبيق : المستوى الأول: الشروع في التطبيق لأول مرة، في العالم الذي كان يعج بالآلام ويضج من المظالم والمشاكل. المستوى الثاني : الإستمرار بالتطبيق والسير به نحو التعمق والتكامل ، في الخط التربوي المستمر للبشرية جمعاء . وسيكون لهذا المستوى ضمانات خاصة به. ونحن حين نتحدث عن هذه الضمانات ، إنما نتحدث – كما فعلنا دائماً – ضمن الإمكانيات المتوفرة ،والمستوى الفكري في عصر ما قبل الظهور .
وسنفتح الحديث عن هذه الضمانات على كلا المستويين كل على حدة . المستوى الأول : ضمانات التطبيق العادل لأول مرة في التاريخ البشري بعد انتهاء الفتح الإسلامي . وهي بنفسها الضمانات لو أريد البدء بالتطبيق على نطاق محدود قبل انتهاء الفتح العالمي .فإن كل منطقة يتم فتحها يبدأ المهدي (ع) بتطبيق العدل فيها ، حتى ما إذا استوعب الفتح العالم كله ، كان التطبيق عالمياً كاملاً. وعلى أي حال فالضمانات هي الضمانات. وهذه الضمانات على ثلاثة أقسام: القسم الأول: الضمانات الموضوعية للدولة المهدوية ... أعني المتوفرة له في الواقع على صعيد المجتمع والحياة. الضمان الأول: وجود الأطروحة العادلة الكاملة المعدة للتطبيق في العالم ،ضمن التخطيط العام السابق على الظهور ، متمثلة بالإسلام ، كما سبق أن برهنا. ومن المعلوم أن القانون إذا لم يكن معداً سلفاً أو كان غيرعادل كامل كان ذلك أكبرعقبة في طريق التطبيق، وبالتالي في جني الثمار الإجتماعية الخيرة المطلوبة .ومن هنا كان وجود هذا القانون ضماناً أكيداً في النجاح. والدولة المهدوية تملك هذا القانون ،حسب ما يعرفه المهدي نفسه. إنه الأطروحة العادلة الكاملة ،متمثلة بالإسلام ، بكل (فقراته) التي عرفناها: الفقرة الأولى : الأحكام الحقيقية التي كانت معلنة قبل الظهور. الفقرة الثانية : الأفكار والمفاهيم الناتجة عن تطور الفكر الإسلامي. الفقرة الثالثة : الأحكام والمفاهيم التي كانت تالفة يومئذ ،والآن يتم تجديدها وإعلانها. الفقرة الرابعة: الأحكام والمفاهيم المؤجلة التي لم تعلن قبل ذلك، وكان إعلانها منوطاً بتحقق الدولة العالمية، فيكون الوقت عند تحققها قد آن لإعلانها. الفقرة الخامسة: الأنظمة التفصياية التي يسنها القائد المهدي (ع) نفسه في حدود الأحكام الثابتة في الشريعة وعلى ضوئها ، من أجل ضبط الوقائع المختلفة ،وهي لا تقصر في وجوب إطاعتها عن تلك الأحكام.
صفحة (470) الفقرة السادسة : القواعد العامةالتي يضعها المهدي (ع) للحكام الذين يوزعهم على الأرض .تلك القواعد التي تمكنهم من ممارسة الحكم والقضاء العادلين في مناطق العالم . الفقرة السابعة : القواعد العامة التي يضعها المهدي (ع) لخاصته من أجل استمرار تربية البشرية وتكاملها في المدى البعيد. وبهذه الفقرات تستطيع الأطروحة العادلة الكاملة أن تأخذ طريقها إلى التطبيق ، وتربية البشرية بالتدريج. الضمان الثاني: نقصان البشرية نقصاناً كبيراً .كما سبق أن سمعنا من الأخبار ،وفهمنا أنه إنما يكون مع وجوب حرب عالمية مدمرة قبل الظهور. وقد كان هذا أحد الضمانات المهمة لإنتصار الإمام المهدي (ع) وسيطرته على العالم .وسيكون هو ـ على تقدير وجوده – ضماناً أكيداً لسهولة التطبيق وشموله .إذ من المعلوم أن التطبيق العام على البشر حال كونهم قليلين أسهل بكثير منه حال كونهم كثيرين. وخاصة إذا كان النقصان بالنسب الكبيرة التي سمعنا. وهذا الضمان هنا ، كما كان هناك ، نافع على تقدير وجوده ،وغير مضرعلى تقديرعدمه .بمعنى أن البشر لو بقوا على كثرتهم ،ولم تحدث حرب عالمية أو أي سبب لنقصان ...فكل ما يحصل هو ترتب نتائج هذا الضمان بشكلها المباشر، ولا يعني بأي حال انخرام الهدف المهدوي أو تعذر الإنتصار أو التطبيق ...بعد أن كان للضمانات الأخرى دورها الكامل في إنجاز ذلك. الضمان الثالث : زوال الناس المنحرفين الفاشلين في التمحيص ،وغير القابيلن للتربية في التخطيط العام الجديد. ذلك النقصان الذي يباشره المهدي وأصحابه بسيوفهم وأسلحتهم طبقاً للأسلوب الذي عرفناه وتوخياً للنتيجة التي ذكرناها. الضمان الرابع: الهيبة والرهبة التي يكتسبها الحكم المهدوي في قلوب الناس، الأمر الذي يجعل عصيان قانونه والخروج على تعاليمه – ولو في الخفاء ـ أمراً متعذراً. يحدث ذلك نتيجة لعدة عوامل مهمة ، نذكرعدداً منها : العامل الأول: الأساس العقائدي والأخلاقي الذي ترسخه الدولة المهدوية في نفوس الناس ...من الإخلاص للقانون واحترام العدل والإيمان بصدق أهدافه .مع وضوح أن الإخلال بقوانين تلك الدولة إخلال بالعدل وأهدافه.
صفحة (471) |
|