وقد أصبح السير خلال هذا الخط أمراً طبيعياً للفرد ، بل لا تستقيم حياته – في رايه – إلا به ،وأصبح صوت الفضيلة وشجب هذا الإنحدار والنداء بالمحافظة على السلوك المتزن وأمراً غرباً موحشاً ملفتاً للنظر .فقد "اصبح المنكر معروفاً والمعروف منكر" وعاد "الإسلام غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء".

وموقف الإمام المهدي عليه السلام في كل ذلك واضح كل الوضوح ،وهو الشطب على الإنحدار جملة وتفصيلاً، وإبداله إلى جو الفضيلة والعدل والكمال.

والمهم في المقام هو أن نلقي بعض الضوء على البديل الرئيسي لهذا الوضع المنحدر، بحيث يستتب معه النظام ويسود العدل الكامل .مع المحافظة – بطبيعة الحال – على العمق الحقيقي للفكر والوعي في مجتمع ما بعد الظهور في طي الكتمان رهيناً بحصول وقته.

إن ما ندركه الآن من ذلك وهو كما يلي:

إن الإمام  المهدي عليه السلام في دولته العادلة العالمية ، سوف لن يلغي الإذاعة والتلفزيون ولا المسرح ولا السينما ولا المصايف ولا المسابح ولا المدارس ولا المستشفيات ولا البنوك ولا الصحف ولا المجلات ولا المسلسلات.

فإن أساس الفكرة من وجود كل هذه الأمور أنه موجودة لخير البشرية وتسهيل الحاجات الإجتماعية والفردية، فمن الطبيعي أن تأخذ دولة العدل بزمام المبادرة لإتخاذ هذه الأمور وسيلة نحو التكامل وزرع الأخلاق والفضيلة والتكافل والتراحم بين البشر، وبالتالي وسيلة لتربية البشرية بشكل عام ،والوصول بها إلى كمالها الأعلى المنشود.

فالإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما والصحف ، ستكون وسائل النشرالأفكار الهادية العادلة ،وللترفيه البريء .والمصايف والمسابح ستكون موجودة بدون الإنحدار اللاأخلاقي ، بل مع الإرتفاع بها إلى مستوى العدل والمصلحة الحقيقية .فإن الترفيه غير مقتصرعلى الإنحدار الحيواني ومباشرة الرذيلة كما هومعلوم .فإن في صور الطبيعة الكونية من العجائب والطرائف ما يعجب النفس ويسر الخاطر ويبهج الفؤاد ،الشيء الكثير ،ولا يكون الإقتصار على الترفيه المنحدر ،إلا نتيجة لسوء السلوك وقصور التصور ،وبالتالي لنتيجة الفشل في التمحيص العام.


صفحة (466)
 

وأما المدارس على اختلاف مستوياتها وأنواعها ... فستكون طرقاً لتربية الفرد وتثقيفه وتكامله ،بالشكل الحق الذي يربط الكون بخالقه العظيم ايجاداً وتشريعاً ، ربطاً وثيقاً ،والسير بالبشرية في هذا الطريق ... وتهمل كل الجهات التي تحمل الفرد على الإنحراف واللاأخلاقية والعنصرية وعبادة المادة . وجمل القول: أن مناهج المدارس بشكل عام ستحافظ على شكلها المنهجي الأكاديمي .ولكنها لن تحافظ على شكلها العقائدي الجديد العادل المطلوب لتربية  البشرية في خطها الطويل.

وسيكون سفور النساء ، بمعنى انكشافهن لأعين الرجال بشكل لا أخلاقي ولا إسلامي ،ممنوعاً بطبيعة الحال ومعاقباً عليه ، فضلاً عن الإنحدار نحو الرذيلة بأي شكل من أشكالها .
ولكن ذلك لن يمنع بأي حال من دراسة المرأة لأعلى العلوم وتلقيها لأدق المعارف وحصولها على أحسن وأوسع النتائج  ،ولا يمنع حفاظها من قيامها بأي شكل من أشكال التجارة والعمل ،ولا يمنع اتصالها بالمجتمع وإزجائها لحاجتها المشروعة ،مع الرجال والنساء معاً ،وستنظم الدولة العلاقة الإجتماعية بين الجنسين بقانون.

وسيكون التحاقد الطبقي منعدماً في المجتمع المهدوي ،باعتبار ما سنعرف من توفير الدولة فرص العمل للجميع بسخاء وترتيب ، وما سيناله كل فرد من أرباح وما يتقاضاه من الدولة من هبات ،ما يغنيه عن التفكير في الحقد الطبقي أساساً .فضلاً عن التثقيف الإيديولوجي ضد هذا المفهوم الذي يتضمن الإنشقاق الإجتماعي المروع.

وسيكون التحاقد العنصري بين ذوي اللغات المختلفة ، غير موجود أيضاً بل سيكون الجميع أخوة في العقيدة والهدف ، أخوة في الإيمان والعمل ، لا تفاضل بينهم إلا بحسب ما يناله كل فرد من كمال حقيقي .

وسنرى لكل الذي قلنا هنا نتائجه المهمة الموسعة ،في بعض فصول هذا الباب ،وسنسمع العديد من النصوص المثبتة له ، بعد ان تكلمنا الآن في حدود القواعد الإسلامية المعروفة فقط.

صفحة (467)