النقطة الثالثة: ليس هناك ما يلقي الضوء على نوعية العلاقات بين المناطق المحكومة لأصحاب الإمام المهدي (ع).

إلا أن هذا مما لا ينبغي التساؤل عنه، بعد العلم بأن حكمها المركزي واحد، وإيدولوجيتها العامة واحدة  ،وقانونها العام الأصلي واحد ،ومعه لا يبقى لحاكم المنطقة إلا التطبيقات التي لا تجعل للدولة سيادة كاملة أو شخصية قانونية مستقلة عن الحكم المركزي .شأنها في ذلك ـ إن صح التمثيل ـ شأن الولاية الواحدة في الولايات المتحدة الأمريكية ،أو الجمهورية الواحدة من جمهوريات الإتحاد السوفيتي .مع فارق في الإيديولوجية والتشريع مع كلتا الدولتين.

النقطة الرابعة: لاشك أن الشكل الإداري للحكم ،سواء على مستوى المركز أو المناطق ... سيمارس على الشكل المعهود للناس في زمانه ، أعني الشكل المعهود  لهم قبل الظهور مباشرة ،من دون إدخال تغييرات غريبة على الأذهان فيه .وإن شملته إصلاحات كبيرة بطبيعة الحال.

ومعه فنستطيع القول : أنه لو تم الإفتراض الذي سرنا عليه ،وهو افتراض ظهور المهدي (ع) في هذا القرن... فسيكون الشكل الإداري لدولته ،هو الشكل الإداري العام المعهود في الدولة المعاصرة ،وهو إدارتها عن طريق الوزراء أولاً والمدراء العامين ثانياً والمؤسسات الإجتماعية ثالثاً .بل قد يستفاد من بعض الأخبار وجود رئيس للوزراء وقائد أعلى للجيش في دولته.

لكن ، لاينبغي أن نشير إلى الإختلافات بين الأشكال الإدارية المعاصرة .لأن الدولة المهدوية سوف لن تتبع شكلاً معيناً من هذه الأشكال ،بعد الذي عرفناه من أنها تدخل عناصر التطوير على الشكل العام بالنحو المطابق للمصلحة العادلة في عصر الدولة المهدوية .

النقطة الخامسة : في شأن الأحزاب في دولة المهدي (ع) .

يمكن أن نقسم الأحزاب من زاويتين:

الزاوية الأولى : الإنقسام الأولي للأحزاب ... بحيث يحق لأي إنسان أن يتخذ ما يشاء من الرأي والعقيدة ،وأن يدافع عما يشاء من الاراء . وبهذا تنقسم الأحزاب – مثلاً – إلى يمينية ويسارية وغير ذلك.

الزاوية الثانية : الإنقسام في داخل معتقد معين ،كالإنقسام في داخل المعسكر الشيوعي أو في داخل المعسكر الرأسمالي .باعتبار الإختلاف على التفاصيل مع الإتفاق على عدد من الأصول الموضوعية .

 

صفحة (463)
 

والإنقسام الأول: لاشك أنه محظور في دولة المهدي (ع) ، قد يستحق الفرد عليه القتل فيما إذا تضمن اتجاهه مخالفة صريحة للأطروحة العادلة الكاملة . وقد رأينا أن مصير كل منحرف في دولة المهدي (ع) هو القتل.

وأما الإنقسام الثاني : ونريد به الإنقسام في الإعتقاد بصحة الأطروحة العادلة الكاملة ،وعدم وجود مخالفة صريحة لما تتبناه الدولة المهدوية وتركز عليه .فهل تكون الإنقسامات الحزبية مجازة في داخل هذا المضمون المشترك أو لا ؟!.

لا يوجد في هذا الصدد أي دليل صالح للإثبات أو النفي .نعم ، لادليل من القواعد العامة المعروفة على منع مثل هذه الإنقسامات ...كيف وإن التربة للبشرية مبتنية عادة على التنافس ووجدان الحقيقة منطلق في الأغلب من النقاش والجدل الحر.

ولئن كان التخطيط العام لعصر ما قبل الظهور ، قد أبرز بوضوح فشل الزاوية الأولى من الإنقسام الحزبي وكونه شراً على البشرية ... فإن الزاوية الثانية لم تنزل إلى عالم التجربة بعد، ولم يظهر صلاحيتها من زيفها في مقام التطبيق .فإن رأت الدولة المهدوية المصلحة في إجازة هذا الإنقسام الثاني ، لا يكون في ذلك مخالفة للقواعد العامة المعروفة.
نعم ، سيذوب هذا الإنقسام تدريجياً نتيجة لتربة المركزة التي تمارسها الدولة المهدوية للبشرية .إذ سيصل البشر إلى مرحلة تكون مدركة للمصالح والمفاسد في التفاصيل كما هي مدركة لها في الخطوط العريضة والقواعد العامة .ومعه يكون الإنقسام غير ذي موضوع .إلا أن هذا لن يحدث في حياة الإمام المهدي نفسه على اي حال.

النقطة السادسة : في سيطرة الدولة المهدوية على المرافق العامة للمجتمع.

لا شك في سيطرة الدولة على المرافق التي يتعذرعلى الأفراد السيطرة عليها كالجيش والقضاء والسجون والبرق والبريد ونحوها. كما لا شك  في سيطرتها على ما ترى المصلحة في السيطرة عليه ، لعل منها بعض الشركات والبنوك . وكذلك ماتنشؤه الدولة نفسها من معامل وما تقوم به من تجارات.

ولا دليل على ان الدولة المهدوية ستمنع القطاع الخاص من المعامل والبنوك والتجارات. غير أنه من الواضح ـ على ما سنبرهن عليه في الكتاب الآتي – ان المؤسسات التي توجدها الدولة وترعاها وتنشر الرفاه والخير في المجتمع على أساسها ، ستجعل القطاع الخاص يذوب ذوباناً تلقائياً ،وتقل  أهميته تدريجياً إلى أن  تنعدم ،وسيستغني الأفراد بفيض الدولة المباشر. ولعل فيما يأتي في الفصل التالي ما يلقي حزمة من الضوء على ذلك .

 

صفحة (464)

 

هذا وينبغي الإلماح إلى الجيش والشرطة والسجون ستذوب أهميتها تدريجياً أيضاً ،نتيجة للتربية المركزة المستمرة التي تقوم بها الدولة المهدوية للبشرية ، بحيث تصل بها إلى مستوى عال من الفهم والإخلاص.

ولعل الجيش هو أسرعها ذوبان، لأن المفروض كونه سنداً للدفاع الخارجي ، ضد اعتداء الدول الأخرى .ومع وجود الدولة العالمية ،لاتوجد دول أخرى على الإطلاق ... فتنتفي الحاجة إلى الجيش من هذه الناحية .

وأما الشرطة والسجون، فستذوب تدريجاً بذوبان الجريمة الذي هو النتيجة الطبيعية لوصول البشرية في تربيتها إلى درجة عالية  من الكمال  .غير أن هذا المستوى لن يحدث – عادة – في حياة الإمام المهدي .وإن كان لن يحدث أيضاً إلا طبقاً للأسس التربوية العامة التي هو يضعها ،من أجل إيصال  البشرية للكمال.

الجهة الثالثة: في إلقاء الضوء على موقف الإمام المهدي (ع) من القضايا والمشاكل الإجتماعية السائدة  قبل الظهور.

وإذا أردنا أن نشخص هذه المشاكل من وجهة النظر الإسلامية التي تم التمحيص على اساسها في التخطيط العام السابق على الظهور ...نجدها تندرج في خط سلوكي مشترك شامل لكل العالم البشري – بشكل عام ـ، وهو الإنحدار الخلقي الفضيع الذي وصله الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم ولغاتهم وألوانهم وثقافاتهم.

وقد نشأت من هذا الإنحدار الخلقي آلاف المشاكل في كل مجتمع من مجتمعات البشرية على الإطلاق ، على مختلف الأصعدة ...ابتداء من الغش والتغابن في المعاملات والتسامح في حقوق الآخرين وأموالهم ،وانتهاء بابتناء القيمة الأساسية للعلاقات على الأساس المالي إلى جانب التعامل بالربا ،وصيرورته ضرورة من ضرورات الحياة ... وتبذل النساء وشرب الخمور وإعلان الفجور والسير في الزواج والطلاق والميراث على الخط المدني ،وتأسيس المدارس والمسابح والمسارح والسينميات المختلطة والداعرة . وأنت تسمع الأغاني المثيرة وترى الأفلام المسفة في كل راديو وتلفزيون .ونشر الصور والأفكار الداعرة المثيرة جنسياً والتي تحث على الجريمة في كثير من الأحيان . نشرها في الأعم الغلب من صحف ومجلات ومسلسلات العالم بمختلف لغاتها ومذاهبها ومقاصدها .


صفحة (465)