|
||
|
فهذا مرور خاطف بنقاط القوة ونقاط الضعف في الوضع الدولي الحديث .فما هو موقف الإمام المهدي (ع) ودولته من كل ذلك؟!. ولا ينبغي ان نتحدث في هذا الصدد عن انعكاس هذا الوضع الدولي على دولته ....بمعنى أن نبحث عن رأي دولته في هذا الوضع فيما لو كانت عضواً مشاركاً فيه . فنتساءل عن مدى ما تقبله منه وما ترفضه .وهل ستكون ـ مثلاً ـ عضواً في هيئة الأمم المتحدة أو لا .وهل ستتبادل السفراء مع الدول الأخرى . كل ذلك ينبغي ان لانتساءل عنه بحال . وذلك أنه سوف لن يمضي وقت طويل بعد الظهور حتى تقوم الثورة المهدوية بتغيير النظام الدولي تغييراً أساسياً ،تبحث معه كل نقاط ضعفه وتلغي كل جذوره. وذلك انطلاقاً من أساسين : نظري وعملي. أما الأساس النظري فباعتبار قيام هذا النظام الدولي على الإنحراف والفساد أخلاقياً وعقائدياً .أما أنحرافه الأخلاقي ، فأهم نقطة هو ما أشرنا إليه ،من قيامه على أساس المصلحة الخاصة والأنانية المحضة ،تلك التي لا يكون لها وجود في دولة المهدي ، بل سيتبدل الحال إلى ملاحظة المصالح العامة الواقعية ، وتطبيق العدل الكامل والعبادة المحضة لله عزوجل .الأمر الذي ينتج تغييراً أساسياً في سير التاريخ البشري . وأما انحرافه العقائدي، أعني النظام الدولي المعاصر، فأهم نقطة فيه:هي قيامه على المادية في فهم الكون والعلمانية في فهم المجتمع ... وإعطاء زمام قيادة الإنسان بيد الإنسان نفسه وهذا ما سيشطب عليه المهدي (ع) بالقلم العريض، ويقيم العدل الكامل، في البشرية على ركائز مؤمنة بالعطاء الإلهي والقدرة والحكمة الإلهيين اللانهائين. كيف وهو النتيجة الطبيعية للتخطيط الإلهي العام المستهدف للعبادة الخالصة والعدل الكامل. وأما الأساس العملي ، فهو أنه (ع) لا يعترف بتجزئة البشرية إلى حدود ودول ...بل دولته عالمية واحدة برئاسة واحدة وقيادة واحدة . يتوصل المهدي إلى انجازها عن طريق الفتح العالمي .ومعه تكون كل الأنظمة والقوانين الدولية غير ذات موضوع .لأنها إنما تنظم العلاقات بين الدول المتعددة ،ولا توجد يومئذ دول متعددة .
وهذا الوضع العالمي الواحد ، سيفتح باب الخيرات ،ويزيل أكداس الأطماع والأنانيات التي تقود الدول في عالم اليوم ،ولن يكون للحروب أي موضوع ،وسيكون هذا الفتح مفتاح السعادة والرخاء والسلام والعدل بين البشر أجمعين . ولا بد أن القارىء يحمل فكرة كافية عن النظام الإداري ....ولكننا سنستعرض النقاط المهمة فيه. فالدول هيئة ذات كيان معنوي قانوني تتكون من منطقة مسكونة ذات حدود معينة وهيئة حاكمة. ويتولى المسؤولية العليا في الدولة ملك أو دكتاتور أو رئيس جمهورية ،مع رئيس للوزراء في غير النظام الرئاسي ،وعدد من الوزراء يتكفل كل منهم الإشراف على جانب من جوانب المجتمع المهمة ،كالخارجية والدفاع والمالية والإقتصاد والثقافة أو التربية ... وغير ذلك مما تحتاجه الدولة في إدارة شؤونها ،مما قد يزيد وينقص باختلاف الدول. ويوجد في جملة من الدول مجلس للبرلمان ، يتكفل السلطة التشريعية في البلاد . والأساس النظري الذي يقوم عليه هو تمثيل أعضاء المجلس لفئات الشعب المختلفة .لكي تكون موافقتهم على القوانين موافقة للشعب نفسه، حتى يكون القانون النافذ على الشعب كأنه صادر من الشعب نفسه. ويوجد في الدول أحزاب ، بعضها سري وبعضها علني .وبعضها يمارس الحكم فعلاً إما بمفرده أو مع غيره من الأحزاب. وترى اكثر الدول لنفسها حق منع الأحزاب ،والإذن لها بالنشاط ، طبقاً لما ترى الدولة لنفسها من المصالح .ويمثل كل حزب أيدولوجية معينة ونظرة خاصة إلى الكون والحياة .ومن هنا يقع التناحر النظري والإجتماعي والمصلحي بين الأحزاب بشكل خفي حيناً وسافر أحياناً. وإذا مارس الحزب الحكم في الدولة وحده ،كان ذلك ما يسمى بنظام الحزب الواحد . ويطبق الحزب الحاكم على المجتمع نظرته الخاصة إلى الكون والحياة .ويرى الحزب الحاكم ـ عادة – حرية الرأي والنشاط السياسي والإجتماعي لنفسه ،ومنع أي رأي ونشاط حزبي أو فردي آخر.
والوزارات في الدولة ، تدار من قبل مديريات عامة أو مؤسسات ، يتكفل كل منها الإشراف على جانب من جوانب المجتمع ، حسب الحاجة . وتتكفل الدولة عادة الإشراف على المؤسسات والمرافق العامة التي يصعب على الأفراد الإشراف عليها ،كالجيش والشرطة والسجون والكمارك والبرق والبريد والتعدين وتوزيع الماء والكهرباء وبعض البنوك .وتزيد الدول الإشتراكية على ذلك الإشراف على كل التجارات والشركات والبنوك، وعمليات الإستيراد والتصدير والصناعات الكبيرة ...وغير ذلك . فما هو رأي الإمام المهدي (ع) في كل ذلك، وكيف سيكون شكل دولته العالمية ؟!. يمكن أن نلخص ما يمكن إثباته تاريخياً وإسلامياً من ذلك ، في عدة نقاط : النقطة الأولى: إن الرئاسة العليا في الدولة لن تكون ملكية ولا رئاسية ولا دكتاتورية ....بل ستكون إمامية، لأن الحاكم الأعلى سيكون هو الإمام المنصوب من قبل الله عز وجل . سيمارس هذا المنصب الإمام المهدي (ع) بنفسه ما دام موجوداً ،ويمارسها خلفاؤه من الأولياء الصالحين بعد وفاته، بالطريقة التي سنشير إليها في القسم الثالث من هذا التاريخ. هذا بالنسبة إلى الرئاسة المركزية في الدولة العالمية .ولكن المهدي لن يباشر بنفسه الإشراف على كل القضايا الجزئية في العالم ،بل سيتكفل القبض على المقاليد العليا للحكم، بالمقدار الذي يرى هو المصلحة فيه. ويوكل قيادة المناطق المختلفة في العالم إلى أصحابه المخلصين الممحصين " حكام الله في أرضه " على ما سنعرف تفصيله في الفصل الآتي. النقطة الثانية : إن دولة الإمام المهدي ستخلو بطبيعة كيانها العقائدي من البرلمان بصفته السلطة التشريعية. فإن هذه السلطة ،في ايدولوجية هذه الدولة ، لست للشعب ولا لممثليه ، بل لله عزوجل وحده لا شريك له، طبقاً لتشريعه العادل الكامل. نعم ، يكون للإمام أن يحكم ويتصرف في حدود التشريع الأصلي ، كما انه سوف يبلغ فقرات جديدة من التشريع الأصلي لم تكن معروفة قبل ذلك .كما يمكن إيكال البت بعدد من الوقائع الفرعية إلى مجلس يشبه البرلمان أو مجالس تسبه المجالس البلدية ..إلا أن وجودها الفعلي في الدولة المهدوية يفتقر إلى الإثبات التاريخي .
|
|