الفصل الثاني

موقف الإمام المهدي (ع)

من القضايا السياسية والإجتماعية السابقة على الظهور

 تمهيد :
   
يكاد يكون الحديث تحت هذا العنوان مستأنفاً ، بعد كل الذي عرفناه من الموقف المهدوي الحدي الصارم تجاه الأنظمة والقوانين السابقة على الظهور وإنه يلغيها إلغاء تاماً ويبدلها إلى ما يراه هو مطابقاً للعدل الكامل . ورأينا موقفه الحدي الصارم إزاء المنحرفين .وأنه سيستأصلهم مقدمة لتأسيس مجتمع العدل الجديد في العالم .
وليس مرادنا الآن تكرار ذلك ، وإنما المراد المرور على شيء من التفاصيل ، بمقدار الإمكان ، عسى يمكننا استشفاف بعض الإتجاهات التي سيتخذها المهدي في دولته ، بدلاً عما يلغيه من الإتجاهات وما يشطبه من القوانين والمفاهيم.
وبالطبع، سنكون في حاجة إلى الإطلاع التفصيلي إلى حد معقول، على ما نعنيه من (القضايا السياسية والإجتماعية) السابقة على الظهور، لكي نحدد موقف المهدي (ع) منها . والصعوبة الأساسية التي تحول دون هذا الإطلاع التفصيلي: هي الجهل بموعد الظهور ... الأمر الذي يقتضي الجهل بالأنظمة والقضايا  التي تكون سابقة على الظهور مباشرة ، كما هو معلوم .

ولا يمكن تذليل هذه المشكلة إلا بإعطاء افتراض معين ، قد لا يكون صحيحاً في نفسه ،ولكن البحث على أساسه سيلقى الكثير من الضوء على مواقف الإمام المهدي  تجاه الأنظمة السابقة على الظهور ، فيما لو تم في عصر متأخر ، وهذا الإفتراض هو أن نزعم :

أن المهدي (ع) سيظهر في هذا القرن أو ما يقاربه ، بحيث لا يكون قد طرأ على القوانين والمفاهيم  العامة المعاصرة في عالم المعاصرة في عالم اليوم  تغيير مهم.

 

صفحة (457)
 

وهذا أمر محتمل ، طبقاً لقاعدة الإنتظار الفوري  التي تقتضي توقع ظهور المهدي (ع) في اية لحظة ،كما برهنا في التاريخ السابق(1) .غير ان هذا الإفتراض يفتقر إلى الإثبات التاريخي ، وهو مما لا سبيل إليه ، بعد نفي التوقيت الذي عرفناه .

وبهذا الإفتراض ، ستكون الأنظمة السابقة على الظهور هي الأنظمة المعاصرة اليوم .

بهذا نذلل قسماً مهماً من المشكلة .ولعل الحديث حولها يعطينا الأسس العامة التي يمكننا من خلالها ان نتعرف ولو إجمالاً عن موقف الإمام (ع) من أي نظام سابق على ظهوره .

ولا ينبغي أن نغفل في هذا الصدد عن أن غاية القصد هو الإطلاع على آراء المهدي (ع) واتجاهاته ، بمقدار ما يهدينا إليه منهجنا في البحث المتكون بشكل رئيسي من القواعد العامة الصحيحة والأخبار الخاصة بالمهدي (ع)، أما الإطلاع على العمق الحقيقي للوعي والمستوى الفكري في مجتمع ما بعد الظهور ، فقد برهنا في مقدمة هذا التاريخ على استحالة إطلاع الباحث السابق على الظهور، عليه ، إلا إذا كان معاصراً له ، مهما أوتي من عبقرية ودقة تفكير.

وينبغي لنا هنا أن نفتح الحديث في عدة جهات، لكي نتعرف على بعض ملامح مواقف الإمام المهدي (ع) تجاه الأمور الدولية أولاً ، والإدارية ثانياً ، والإقتصادية ثالثاً ، والإجتماعية رابعاً .

الجهة الأولى : في إلقاء الضوء على موقف الإمام المهدي (ع) من القضايا  الدولية الراهنة بشكل عام .

تتضمن القضايا الدولية أموراً كثيرة تعتبر قانونية وملزمة بالنسبة إلى المجتمع الدولي توخياً لمصالح معينة تعود إلى الدول أنفسها.

فهناك الإتفاقيات والمعاهدات والأحلاف، ونحوها، مما تعقده الدول فيما بينها بشكل ثنائي أو أكثر لتنظيم العلاقات فيما بينها ، اقتصادياً أو ثقافياً أو عسكرياً أو غير ذلك.

وهناك التمثيل الدبلوماسي بين الدول، بشكله المعروف الذي يتضمن إلزام السفير بالتقريب بين الدولتين ،وإيجاد العلاقات الحسنة فيما بينهما جهد الإمكان .وإذا لم يكن هناك سفير ،كان مكانه قائم بالأعمال ،أو تتكفل دولة صديقة مصالح دولة ثانية بالنسبة إلى الرعايا الموجودين في دولة ثالثة ،إذا فقد التمثيل الدبلوماسي بينهما .


صفحة (458)
ـــــــــــــــــ

(1) انظر ص 362 وص 362 وص 427

 

ويتبع هذا النظام الدبلوماسي ، نظام الإستقبال و التوزيع والزيارة بين الدبلوماسيين والملوك والرؤساء من مختلف الدول .

وإذا حصل هناك بين دولتين أو أكثر،ما لا يمكن حله بشكل منفرد ، فهناك منظمات دولية كفيلة بالحل .فإن كانت المشكلة قضائية بطيعتها ،كانت محكمة العدل الدولية كفيلة بتذليلها ،وإن كانت المشكلة سياسية كانت هيئة الأمم المتحدة كفيلة بالسيطرة عليها.

كما أن هيئة الأمم المتحدة كفيلة بحل المشكلات الإقتصادية والإجتماعية والصحية التي قد تحدث في الدول عن طرق لجانها الفرعية كاليونسكو ومنظمة الصحة العالمية وغيرها .

ولا ينبغي أن نغفل ، في هذا الصدد ، القانون الدولي الذي يحدد العلاقات بين الدول ،باعتبار سلامة الحدود والرعايا والإحترام المتبادل ،وتحديد الجريمة، ومكان العقاب ومقداره .... فيما إذا ارتكب شخص من دولة جريمة في دولة أخرى .مضافاً إلى الصيانة الدبلوماسية للممثلين الدبلوماسيين واحترام حق اللجوء السياسي، وتحديد مقادير المياه الإقليمية التابعة للدولة ، إلى غير ذلك من القضايا التي تفتق عنها الذهن البشري الحديث.

ولكن هل أفادت كل هذه التنظيمات في حل مشاكل البشرية .كلا ،فإن كل هذه التنظيمات لم تقم على إخلاقية معينة ،وإنما قامت على أساس المصلحة الخاصة محضاً.

فكان من الطبيعي أن نجد أي دولة حين لا يكون في مصلحتها اختيار أي تنظيم من هذه التنظيمات والسير عليه ، كان ذلك سهلاً بالنسبة إليها، بل واضحاً في موقفها ،وليس هناك أي ضمان حقيقي يلزم الدولة بتطبيق التشريعات الدولية.
ومن هنا وجدت الحروب باستمرار ، ووجد الإستعمار بشكليه القديم والحديث،وحصل الغزو الفكري والعقائدي للشعوب الضعيفة العزلاء .ولذلك أيضاً وجدت الأحلاف الإعتدائية ووجد التهاتر بين الدول والمقاطعة والعداوات.

ومن هنا لم يكن لهيئة الأمم المتحدة أي ضمان في تطبيق قراراتها .ولم يكن لها أي أية فائدة حقيقية في منازعات الدول وإلغاء الحروب.


صفحة (459)