الأمر الرابع : ان يراد بالقضاء الجديد ،ما أشير
إليه في بعض الروايات  من أن المهدي (ع) سيتخذ أسلوباً جديداً في القضاء وفصل الخصومات بين الناس وأنه يحكم بحكم داود لايسأل البينة "وسيأتي التعرض إلى ذلك مع نقده في فصل آخر من هذا الباب.

وكل هذه الأمور الأربعة محتملة في معنى القضاء ، غير أن الأمر الثالث مدعم  بقرينة تدل عليه هي كونه "على العرب شديد " بخلاف الأمور الأخرى .

الجهة السادسة : أننا لم نجد في الأخبار أن المهدي (ع) يأتي بدين جديد، كما هو المشهور على الألسن ،وربما كان هذا تحويراً شعبياً لأحد هذه العناوين الستة  التي سمعناها من الروايات ،والتي يصعب استيعابها  على الفرد الإعتيادي.

ولو كان ذلك وارداً في الروايات ، لما كان المراد منه  أنه يأتي بشريعة جديدة تقابل الإسلام وغيره من الأديان ، وذلك: للقطع بكون المهدي (ع) ليس بنبي ،وأنه لا نبي بعد نبي الإسلام ،وان المهدي إنما يطبق قانون الإسلام وشريعته ، كما سبق أن عرفنا ودلت عليه الروايات المتواترة ، فلو كان المراد منه ذلك لوجب طرح الرواية بإزاء الأدلة القطعية النافية لمضمونها .

لكن الأنسب أن يراد بالدين الجديد ، لو كان مروياً التشريع الجديد الذي ياتي به المهدي (ع) ، باعتبار انه يدان لله تعالى بإطاعته وتطبيقه .

الجهة السابعة : سمعنا من عدة من هذه الروايات : ان المهدي (ع) يستأنف أمراً جديداً ودعاءً جديداً ،كما أستأنفه رسول الله (ص) .أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً . فطوبى للغرباء.

أم أن النبي (ص) استأنف أمراً جديدا ودعاءً جديداً ، فهو واضح ، بعد الذي كان عليه المجتمع قبل الإسلام  وفي السني الأولى من النبوة ،من الظلم والضياع، وقد أخرجته النبوة الجديدة من الظلمات إلى النور ودلته على العدل الكامل.

وقد بدأ الإسلام غريب، فقد كان المؤمنون في السني الأولى  للنبوة غرباء في مجتمع يعج بالظلم والضياع. وبقيت هذه الغربة حتى اتسعت دعوة الإسلام وارتفعت غربته .

سيعود الإسلام غريباً حتى يعود المجتمع نتيجة للتمحيص العام إلى الظلم والضياع  مرة ثانية، "فطوبى للغرباء " المؤمنين الذين يمثلون الحق والعدل على مدى التاريخ .
 

صفحة (455)
 

وستبقى هذه الغربة إلى حين شروق شمس الهداية والعدل ، عند الظهور، وسيقيمه الغرباء بأنفسهم ويدعموه بسواعدهم.

وسيستأنف المهدي (ع) عندئذ أمراً جديداً ودعاءً جديداً ،كان قد تخلى عنه المجتمع منذ عهد بعيد نتيجة لإنحرافه وفسقه.

غير أن هذه الجدة ليست مئة بالمئة ، بل هي مبتنية على ما قبلها ومنطلقة منه كما لم تكن دعوة النبي (ص) جديدة ومئة بالمئة ،بل كانت في أصولها وأسسها  العامة ،مشتركة مع دعوات الأنبياء السابقين .غير أن دعوة المهدي (ع) أكثر التصاقاً بتعاليم الإسلام من ارتباط دعوة النبي (ص) بتعاليم الأنبياء السابقين .

صفحة (456)