وتكون اشكال التغيير المحتملة في القرآن
الكريم عديدة ، فإن صحت أو صح  بعضها كان هذا الأمر الثاني صحيحاً ،وإن بطلت كلها كان هذا الأمر باطلاً.

الشكل الأول: أن يبرز القرآن الكريم مع زيادات في الآيات ، لم تكن معروفة قبل الظهور.

وهذا الشكل من الإفتراض مبني على تصحيح ما ورد  في بعض الروايات أن القرآن كان يحتوي على بعض الآيات في زمن رسول الله (ص) وقد حذفت بعد وفاته .فإنه لو صح ذلك ،كان صدق هذا الإفتراض ضرورياً لأن أولى من يعيد  الآيات إلى وضعها الطبيعي ، وإعلانها ثانية بين الناس ، هو الإمام المهدي نفسه .

غير ان الأخبار الدالة على وجود الحذف في القرآن الكريم ، غير قابلة للإثبات ،كما ثبت محله . ومعه يكون  هذا الشكل من الإفتراض غير ذي موضوع.

الشكل الثاني: أن يبرز القرآن الكريم مع تقديم وتأخير في آياته مماثل لأسلوب النزول .فإنه من المؤكد ان القرآن الكريم بالشكل الذي نقرؤه ليس على ترتيب النزول .

غير أننا سنقول في الشكل الثالث أن التغيير عن ترتيب النزول كان بأمر من رسول الله (ص) نفسه ، فيكون تغييره عن ذلك الترتيب مشروعاً ، لاحاجة إلى تغيير، بل إن فيه خروجاً عن أمر النبي (ص) نفسه ، فلا يقوم به المهدي (ع).

الشكل الثالث : أن يبرز القرآن الكريم مع تغيير أياته وسوره ، بشكل يصبح مماثلاً لما كان عليه الترتيب في زمن رسول الله (ص) بإشراف وأمر منه (ص) ،فقد أصبح القرآن الكريم متغيراً عن ترتيب النزول ،ولكن ذلك بأمر الرسول(ص) ، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

وهذا الشكل يتوقف على ان يثبت أن ترتيب القرآن الكريم قد تغير بعد رسول الله (ص) ، لكي يعيده المهدي(ع) إلى شكله الأول وهذا لم يثبت دليل كاف .بل من المؤكد ان القرآن الكريم بشكله الموجود،هو الشكل الذي كان مرتباً بأمر رسول الله (ص).

إذاً ،  فلم يثبت أي شكل من هذه الأشكال الثلاثة ، ومعه فالأمر الثاني ككل لا يكون صحيحاً .

 

صفحة (452)
 

غير أن هناك خبراً يدل على صحة هذا الأمر الثاني ، وهو ما رواه  المفيد في الإرشاد(1) مرسلاً عن جابرعن أبي جعفر عليه السلام ،أنه قال: إذا قام قائم آل محمد (ص)  ضرب فساطيط ،ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عز وجل ، فأصعب ما يكون على ما حفظه اليوم ، لأنه يخالف فيه التأليف.

والظاهر الأولي لتعبيره ، هو الشكل الأول يعني إعادة القرآن الكريم إلى ترتيب النزول "على ما أنزل الله عز وجل". غير أن الأدلة على بطلان ذلك الشكل والأشكال الأخرى أقوى من أن نعود إليها بمثل هذا الخبر المرسل ، على أنه يمكن فهمه على شكل آخر سنشير إليه غير بعيد.

الأمر الثالث : أن يراد بالكتاب الجديد ،أن المهدي (ع)  يبرز للملأ  تفسيراً جديداً  للقرآن الكريم عميقاً موسعاً ، أو أنه عليه السلام يعطي قواعد عامة جديدة تؤسس أسلوباً جديداً من التفسير والفهم للقرآن الكريم .

وهذا أمر صحيح لا محيص عنه ، فإنه يمثل حقلاً مهماً من العمق والشمول الذي يتصف به الوعي البشري في عهد الدولة العالمية العادلة ، ويكون جانب الجدة فيه هو ان الفهم الجديد أعمق من كل الأفهام السابقة ، والناسخ بحقائقه كل الإختلاف والتضارب الموجود في فهم القرآن الكريم وتفسيره.

ولعل هذا هو المراد من الخبر السابق من حيث أنه يراد من " القرآن على ما أنزل الله عز وجل "، المقاصد والمعاني الواقعية للقرآن الكريم ، تلك المقاصد التي لم تكن واضحة بالشكل الكافي في العصر السابق على الظهور. ويراد من مخالفيه التأليف ،مخالفة الفهم التقليدي الإعتيادي الذي كان واضحاً في الأذهان في العصر السابق.

الأمر الرابع : أن يراد بالكتاب الجديد التشريع الجديد .وإنما عبر عنه بالكتاب ،باعتبار أنه مشابه للكتاب – أعني القرآن الكريم ـ في احتوائه على التشريع. أو باعتبار أن الكتاب الكريم يحتوي على  الأسس الأصلية ،ويكون التشريع الجديد مستمداً منه.

وهذا الأمر محتمل، في ما يقصد بالكتاب الجديد ، غير انه لايعادل وضوح الأمر الثالث الذي عرفناه .


صفحة (453)
ـــــــــــــــــ

(1) ص344.

 

النقطة الخامسة: يراد بالسنة الجديدة أمر واحد صحيح لا مناص عنه ،وهو كلام الإمام المهدي (ع)  وفعله وتقريره ، بعد أن ثبت في محله أن السنة هي كلام المعصوم وفعله وتقريره ، والإمام المهدي (ع) معصوم على ما يرى ابن عربي  في الفتوحات(1) وغيره .

وهو مما أجمعت عليه الإمامية وقام عليها مذهبها ومعه ، فيكون كلام الإمام المهدي (ع) وفعله وتقريره سنة ،تكون (حجة) على المكلفين وبين الله عز وجل .وواجبه الإتباع والإطاعة عليهم ، لأجل تربيتهم وتطبيقهم للعدل الكامل في العلاقة مع الله والدولة والمجتمع ، وإنما وصفت هذه السنة بالجديدة .بإعتبار ان مضمونها  سيختلف عن السنة المنقولة في المصادر السابقة في الإسلام ، باعتبارها ستحمل الأحكام الجديدة والمفاهيم الجديدة ومستوى الوعي العميق الجديد الذي سيعلنه الإمام المهدي )(ع) ويربي البشرية كلها عليه.

وسوف تكون سنته هي السنة الريئسية التي تكون مدار استنتاج الأحكام وغيرها بعد المهدي (ع) ....بل هي المنطلق الأساسي الذي تقوم عليه التربية المستمرة بعده(ع) .مضافاً إلى الفهم الجديد للقرآن والسنة الأولى الواردة عن قادة الإسلام الأوائل ، في الحدود الممضاة صحتها من قبل المهدي عليه السلام .

النقطة السادسة : يراد بالقضاء الجديد أحد الأمور:

الأمر الأول : التخطيط الجديد للبشرية الذي يسار عليه في عصر الظهور ،والذي سميناه بتخطيط ما بعد الظهور.

وإنما عبر عنه بالقضاء باعتبار ان التخطيط الإلهي شكل من أشكال القضاء الإلهي .

يكون الوجه في نسبته إلى المهدي (ع) باعتبار كونه موقوتاً بما بعد  ظهوره . وباعتبار كونه مشاركاً فيها مشاركة فعالة واسعة ،كما سبق أن عرفنا .

الأمر الثاني : أن يراد بالقضاء الجديد : التشريع الجديد الذي يعلنه الإمام المهدي (ع) بعد ظهوره .فإن التشريع من معاني القضاء لغة ، يقال: قضى بكذا ، إذا أمر به وشرعه .

الأمر الثالث : أن يراد به كثرة القتل التي عرفنا  أن المهدي (ع) يقوم بها تجاه المنحرفين. فالقضاء هنا بمعنى حكمه بوجوب قتلهم أو بمعنى القضاء عليهم واستئصالهم . ومن هن اسمعنا الروايات : أنه" قضاء جديد على العرب شديد "

 

صفحة (454)
ـــــــــــــــــ

(1)ج3ص328 وما بعدها