|
||
|
الموقف الثالث : موقفه من الأحكام الظاهرية. وهو موقف واضح أيضا . بعد الذي عرفناه من أن الأحكام الظاهرية ، تعني تعيين تكليف الإنسان من الناحية الإسلامية ووظيفته في الحياة عند الجهل بالحكم الواقعي، ذلك الجهل الناشىء من البعد عن عنصر التشريع . واما إذا كان الفرد مطلعاً على الحكم الإسلامي الواقعي ، فيحرم عليه العمل بالحكم الظاهري .والمهدي يعلن الأحكام الواقعية الإسلامية بأنفسها "يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ،ما لو كان رسول الله (ص) لحكم به " على ما قال ابن عربي في الفتوحات. وأما عند الإمامية ، فالمهدي (ع) هم إمامهم الثاني عشر، والأئمة المعصومون الإثنا عشرعليهم السلام ككل، بمن فيهم المهدي نفسه ،هم مصادر التشريع، يمثل قولهم وفعلهم القسم الأكبر من السنة في الإسلام، فيكون الحكم الذي يعلنه المهدي (ع) حكماً واقعياً بطبيعة الحال. نعم ، يبقى العمل بالأحكام الظاهرية موجوداً في الموارد الجزئية التي قد يشك فيها المكلف أو يجهلها من وقائع حياته ،ومعه فالحكم الظاهري سوف يرتفع في التشريع الأصلي ويبقى في بعض التطبيقات الجزئية . الموقف الرابع :موقفه من النقص الرابع ،وهو عدم وصول بعض الأحكام الإسلامية إلى مستوى التطبيق في عصر ما قبل الظهور. يقوم المهدي (ع) بنفسه بتطبيق الأحكام العامة ، فيؤسس الدولة العالمية العادلة الكاملة ،ويقوم برئاستها وإدارة شؤونا وتطبيق الأطروحة العادلة الكاملة ،بمستواها العميق الجديد ، فيها . وأما الأحكام الخاصة التي تمت إلى الأفراد بصلة ، فيقتل كل عصاتها ،ولا يبقى إلا ذاك الإنسان الذي يكون على استعداد لإطاعة الحكم العادل وتقديمه على كل مصالحه الشخصية الضيقة .
صفحة (449) فهذه أربعة مواقف للإمام المهدي يتم فيها تغطية كل النواقص التي كان يعانيها الإسلام والمسلمون خلال العصر السابق على الظهور . ويحسن بنا أن نتكلم عن كل فقرة من هذه الفقرات ، في نقطة: النقطة الأولى: يراد بالسلطان الجديد ، الأسلوب الجديد في إدارة الدولة وشؤون المجتمع ...ذلك الأسلوب الذي كان مشروعاً في الإسلام .ولكن البشرية لم تجد تطبيقه الصحيح لا في الخلافة الأموية ولا العباسية ولا ما بعدهما من دول ومجتمعات ، لأنها تختلف عن الأسلوب الإسلامي الصحيح اختلافاً جوهرياً في وسائلها و غاياتها. فالمهدي (ع) يقوم بتطبيق هذا الأسلوب تطبيقاً كاملاً ،مع التطويرات الجديدة التي يرى إجراءها عليه خلال سلطانه الجديد . النقطة الثانية : يراد بالأمر الجديد ، أحد معاني محتملة : الأول: الأمر بمعنى الطلب ، الذي يجمع على (أوامر) ، أي التشريع والحكم . فيكون المراد الإشارة إلى ما سيعلنه الإمام المهدي من أحكام جديدة في دولته ، لم تكن معروفة قبل ظهوره . الثاني : الأمر بمعنى العقيدة أو الإتجاه الفكري ،وقد ورد بهذا المعنى في عدد من الروايات . ويكون المراد الإشارة إلى المستوى الفكري والعقائدي العميق الجديد الذي يعلنه المهدي (ع) في دولته. الثالث: الأمر بمعنى الإمارة أو الإمامة أو الخلافة ،ما شئت فعبر... وقد ورد بهذا المعنى في عدد من الروايات أيضاً. ويكون المراد منه ما يشبه فكرة السلطان الجديد .غير أن السلطان بحسب معناه العرفي شامل للقوانين العامة،على حين أن الإمارة وصف لشخص الأمير ومن المعلوم ان إمارة المهدي شكل جديد من الإمارة غير ما سبق ، حتى في حياة النبي(ص) لوجود عدة فروق بين دولة النبي(ص) ودولة المهدي (ع) . فإن النبي (ص) سار مع المنحرفين والمنافقين بالملاينة ، والمهدي (ع) يسير معهم بالقتل .
صفحة (450) والنبي(ص) أجّل إعلان بعض الأحكام الواقعية، والإمام المهدي (ع) سيعرض الأحكام كلها والنبي(ص) مارس الحكم على رقعة محدودة من الأرض في حين ان الإمام المهدي يحكم كل المعمورة ، إلى غير ذلك من الفروق التي حملنا عنها فكرة كافية. ويكفينا في التجديد بالإمارة ،أن تكون دولة المهدي (ع) عالمية ، في حين لم تكن الدولة لأي إنسان آخر في التاريخ عالمية. النقطة الثالثة : يراد بالدعاء الجديد أحد أمرين: الأول: الدعاء إلى شيء جديد ،وهو المفاهيم والأحكام التي يدعو إليها المهدي (ع) بعد ظهوره . الثاني:أن يكون الدعاء بنفسه جديداً ، كما هو ظاهر في التعبير فعلاً ... وكما هو مقتضى التشبيه بدعاء رسول الله (ص)، كما سمعنا من بعض الروايات . فإنه دعاء جديد لم يعهد مثله قبله ، والمراد بالدعاء الإرشاد والدعوة إلى الحق والعدل .وهو مشابه للنبي (ص) من حيث إخلاصه في أسلوبه وحريته في بيانه وعدالته في مضمونه .ورجوعهما معاً إلى مركز فكري واحد. النقطة الرابعة : ما يحتمل أن يراد من (الكتاب الجديد) بحسب التصور الأولي . عدة أمور:
الأمر الأول: أن يراد به قرآن جديد ياتي على المهدي (ع) ، في مقابل القرآن
الكريم ، معجزة الإسلام الخالدة. وإذا أتى بقرآن جديد ، فمعناه نسخة للقرآن الكريم ،وخروجه على الإسلام . وهذا بخلاف هذه الأدلة القطعية الضرورية .وعلى أي حال ،فمن القطعي أنه لا يأتي مستقلاً ولا بآية جديدة واحدة ، فضلاً عن كتاب كامل . الأمر الثاني : أن يراد من ذلك : أن المهدي يعيد القرآن إلى شكله الذي كان عليه في زمن رسول الله (ص). وهو شكل غير معهود للمجتمع المسلم قبل الظهور ، ومن هنا كان موصوفاً بكونه كتاباً جديداً .
صفحة (451) |
|