والمقصود من (راية الحق) : دعوة المهدي (ع) العامة المتمثلة بالأطروحة العادلة الكاملة ،ونشرها أو رفعها: إعلانها في العالم .كما أن المقصود من لعنها : الغضب عليها والإشمئزاز منها من قبل أهل الشرق والغرب ، وهم أكثر سكان العالم ،ومن المؤكد أن يكون المقصود من بني هاشم و"أهل بيته" شيئاً واحداً ، سواء ذلك على المستوى الصريح أو الرمزي ، على ما سنعرف .

ويمكن تبرير هذا الإنطباع السيء بعدة مبررات :

وتنقسم هذه المبررات إلى قسمين ، ينطلق القسم الأول منها :من الفهم الصريح لبني هاشم وينطلق القسم الثاني منها من الفهم الرمزي له.

القسم الأول : أن نفهم من بني هاشم وأهل بيت المهدي (ع) ، عشيرته الخاصة المعينة المعروفة في التاريخ. فيكون المعنى الذي تعرب عنه الروايات :أن الناس سوف يسيئون الظن بالمهدي (ع) ، ودعوته بصفته فرداً من هذه العشيرة .وذلك للتجارب الفاشلة التي مرت بها هذه العشيرة خلال  العصر السابق على الظهور .وذلك: تحت احد المبررات التالية :

المبرر الأول : إن الناس يلاقون من حكم بني هاشم في زمن الغيبة ظلماً وتعسفاً ، فيتخيلون أن المهدي (ع) بصفته فرداً منهم ، سوف يسيرعلى هذا النهج .

وقد مارس بنو هاشم الحكم خلال التاريخ في فترات مختلفة ... كالعباسيين والفاطميين والزيديين والسنوسيين وغيرهم . وقد مارس الأعم الأغلب منهم الحكم الظالم المتعسف المنحرف عن الدين الحق .

الوجه الثاني : إن الناس يلاقون من بني هاشم ، بصفتهم أفراداً في المجتمع المسلم ، انحرافات شخصية حادة، إلى حد تكون مضرة بالناس من مختلف المجتمعات ، فيتألمون منها ويضجون من سوئها .

وحيث أن المهدي (ع) من بني هاشم ، فربما خيل للناس ، وخاصة هو يمارس كثرة القتل  انه عازم على السير على تلك السيرة ....ريثما ينكشف عالمياً الفرق الكبير بين الأسلوبين والإيديولوجيتين .

 

 صفحة (422)
 

الوجه الثالث: إن الناس يلاقون من بني هاشم خلال العصر السابق على الظهور إعراضاً وإهمالاً متزايدين :

فإن الناس يمرون خلال عصر الغيبة ، بمختلف أشكال المظالم والمشاكل فقد يخطر في أذهان عدد منهم أن يرجعوا إلى بني هاشم في حل هذه المشاكل بصفتهم ممن يتوسم فيهم الصلاح والإصلاح ... فلا يجدون منهم إلا إعراضاً وإهمالاً وتهاوناً ، نتيجة لتسامح بني هاشم وتقوقعهم ، وخوفهم ، وخوفهم من الظروف القاسية ، والتدخل في الأمور العامة .

فيطبع ذلك في أذهان الناس انطباعاً سيئاً ، ويخلف هذا الموقف ظنهم بالهاشميين ... مع انهم قد يكونوا مضطرين إلى ترك العمل اضطراراً .

ومن الصحيح أن المهدي (ع) من بني هاشم ، غير أن شيئاً من هذه الوجوه الثلاثة لا ينطبق عليه ... بعد أن جاء ليغير الحكم الظالم إلى الحكم العادل ، والسلوك المنحرف إلى السلوك الصالح ،ولا معنى للخوف والإضطرار إلى ترك المصلحة العامة في دولته .

غير أن هذه المولقف سوف تتخذ في أول ظهور (راية الحق) وستتبدد الأوهام تدريجياً بمقدار اتضاح واتساع الإيديولوجية المهدوية عالمياً .

القسم الثاني : من المبررات ،وهو المنطلق من الفهم الرمزي لبني هاشم وآل البيت المهدي (ع)... حيث يكون تعبيراً عن جانب الدين والمتدينين في العصر السابق على الظهور .

وانطلاقاً من ذلك ، تكون المبررات إلى (لعن) راية الحق من قبل المنحرفين ... عديدة .

المبرر الأول :الإتجاه المادي العام الذي يشجب الحل الديني للمشاكل البشرية .ومن الواضح أن الأطروحة المهدوية (راية الحق) ، مهما اختلفت عن الإتجاهات الدينية السابقة عليها ، فإنها ذات منطلق ديني بطبيعة الحال، من حيث أنها تعترف بوجود الخالق ، وتلتزم بشريعته ، ومعها ستكون مشمولة للشجب المادي .

وسترتفع مبررات هذا المبرر المادي بالمفاهيم والدلائل التي يقيمها الإمام المهدي (ع) نفسه ،مضافاً إلى التطبيق المهدوي للأطروحة العادلة الكاملة التي تمثل أعلى شريعة إلهية وجدت بين البشر ... فيتضح ما تضمنه للبشر من سعادة ورفاه ، والفروق الأساسية الشاسعة بين الإتجاه الديني المهدوي ،والإتجاهات السابقة عليه .

 

 صفحة (423)
 

المبرر الثاني : سوء الظن بالمتدينين عموماً ، بغض النظر عن الوجود النظر بالدين .

فإن هناك إتجاهاً عاماً في العالم اليوم ، موجوداً في مختلف الأديان والمذاهب يتضمن إساءة الظن بالأساليب والإتجاهات العامة التي يتخذها المتدينون ، وذلك باعتبار التجارب الكثيرة والمريرة التي عاناها الناس ممن ينتمون إلى الدين ،من حيث أن أكثرهم يستغل موقفه الديني في سبيل الربح الشخصي ، بل لو حتى لزم من ذلك الإضرار بالآخرين .لأن أمثال هؤلاء ينتمون إلى الدين اسمياً ولم يتشربوا بتعاليمه واقعياً ، فهم من المنحرفين الفاشلين في التمحيص الذين يمثلون جانب الظلم والجور في الأرض، مهما استطاعوا أن يغطوا قضيتهم بمختلف الأقنعة.

وقد عانى المسيحيون من الوجود الكنسي الممثل  لهذا الإتجاه المنحرف ، كما عانى المسلمون بمختلف مذاهبهم كما عانى المسلمون بمختلف مذاهبهم من نماذج اخرى سائرة على هذا الطريق ،ولا يخلو هذا الطريق من السائرين في مختلف الأديان .

ومن هنا نشأت الفكرة عن كل ما يتبنى الإتجاه الديني .وحيث يكون المهدي ذا اتجاه ديني ، فهو مندرج في الشك العام ...غير ان هذا الشك سوف يتبخر بالتدرج ، بمقدار ما يفهمه العالم بالحس والوجدان من نفع النظام المهدوي للعالم وما يكفله له من السعادة والرفاه ،وما يبذله المهدي (ع) في سبيل الصالح العام من تضحيات ونكران ذات ،وما تؤكده الوقائع من الفوارق الشاسعة بين هذا الإتجاه الديني ،والإتجاهات السابقة عليه . المبرر الثالث: تشويه الفكرة المهدوية في العصر السابق على الظهور .

فانها شوهت في الافكار المنحرفة عدة تشويهات حادة ، قد يؤدي بعضها إلى الحقد على المهدي (ع) حتى بعد ظهوره.

والإتجاهات العامة لهذه التشويهات متعددة ، مادية وغير مادية .ولعل في الرجوع إلى هذه الموسوعة ما يساعد على رفع هذه التشويهات ،ولسنا الآن بصدد استعراضها جميعاً ،كل ما في الأمر أن ما يمكن أن يكون سبباً للحقد على المهدي  حتى بعد ظهوره ، من هذه التشويهات ، هو ما يلي :

التشويه الأول :ان السيف المهدوي شديد الفعالية قوي النشاط ... يقتل الناس بلا حساب.

التشويه الثاني :أن الحكم المهدوي بصفته عادلاً ، سوف يكون حدياً وجدياً في تطبيق القانون وكبت الحرية الفردية ، إلى أكبر الحدود.

 

 صفحة (424)