... ويسير المهدي إلى رومية ، ويكون قد أمر أربعمائة مركب من عكا ، فيفيض ( لعلها : فيقيض) الله تعالى لهم الريح ، فما يكون إلا يومين وليلتين ويحيطوا على بابها ،ويعلقون رجالهم على شجرة على بابها مما يلي غربيها، فإذا رآهم أهل الرومية احذروا (لعلها:أخرجوا) إليهم راهباً كبيراً عندهم علم من كتبهم .فيقولون: انظر ما يريد .فإذا اشرف على المهدي (ع)  فيقول : إن صفتك التي هي عندي .وأنت صاحب رومية ، فيسأله الراهب عن أشياء فيجيبه عنها .فيقول :له المهدي :أرجع ، فيقول : لا أرجع أنا اشهد أن لا إله إلا ألله وأن محمداً رسول الله .

فيكبر المسلمون ثلاث تكبيرات ، فتكون كالرمانة على نشر(1) فيدخلونها فيقتلون بها خمسمائة الف مقاتلة ويقتسمون الأموال .

إلى بعض الأخبار الأخرى .

الجهة الثانية : في نقد هذه الأخبار :

تحتوي هذه الأخبارعلى شيء من نقاط الضعف وشيء من نقاط القوة : أما نقاط الضعف :

النقطة الأولى : أنها وحدها غير قابلة للإثبات التاريخي ، لعدم ثبوت صحة إسنادها وقلة اعدادها  . فما لم تقم قرائن إضافية لإسناد مضمونها ، ينبغي إسقاط هذه الأخبار عن الإعتبار ،وسيأتي عرض ذلك في نقاط القوة .

النقطة الثانية : أنها معارضة بما دل بظاهره على شمول السيف المهدوي لكل العالم وعدم اختصاصه بالشرق بحسب إطلاق مدلوله .

النقطة الثالثة: إن هذه الأخبار دالة على فتح العالم سلمياً عن طريق المعجزات بالمشي على الماء تارة و بالتكبير والتهليل أخرى ... فتكون هذه الأخبار مخالفة لقانون المعجزات ، باعتبار أن فتح العالم ما يمكن توفره للمهدي (ع ) بدون معجزة ،ولو عن طريق الحرب ، فقيام المعجزة من أجل توفيره يكون بلا موجب .


صفحة (414)
ـــــــــــــــــ

(1) لعلها :نشز، وهو المرتفع ، فيكون المرادالوضوح  والسهولة في دخول المدينة.

 

النقطة الرابعة :إن هذه الأخبار تدل على أن أوضاع المدن  في الحصانة الحربية وأساليب القتال ، على الطريقة القديمة ....وهذا باطل بالحس والوجدان بعد أن رأينا المدن المشار إليها في الأخبار وغيرها قد تطورت من هذه الجهات تطوراً لا يقاس بالقديم أصلاً.

النقطة الخامسة :إن بعض هذه الأخبار يدل على أن فتح القسطنطينية يتم من قبل المهدي (ع) بأخذها من الكفار والمسيحيين . وهذا غير صحيح .لأن هذه الخطوة قد اتخذت من قبل السلاطين العثمانيين وقد اصبحت القسطنطينية منذ ذلك الحين بلدة مسلمة ، وسميت بإسلامبول ، وأصبحت عاصمة الدولة العثمانية عدة قرون. وسيفتحها المهدي (ع) فتحاً ثانياً لكنه سيأخذها من يد المسلمين المنحرفين لا من الكفار والمسيحيين .

هذا وسنعرف مدى صحة هذه النقاط بعد قليل .

وأما نقاط القوة ، فكما يلي :

النقطة الولى : إن المضمون العام لهذه الروايات  ، وهو فتح العالم سلمياً ، مدعم بعدة قرائن عامة ، يسند قابلية هذه الأخبار للإثبات التاريخي .وذلك من عدة زوايا يدعم بعضها بعضاً .

الزاوية الأولى : ما أشرنا إليه وبرهنا عليه من شعور الرأي العام العالمي بوضوح يومئذ بفشل كل التجارب والأطروحات التي ادعت حل مشاكل العالم .إلى حد أصبح الفرد الإعتيادي (غير المرتبط مصلحياً بهذه التجارب) مستعداً للتنازل عن أي حكم يتبنى شيئاً منها إلى الحكم الجديد الذي يأمل فيه الخير والرفاه .

الزاوية الثانية : ما عرفناه من قابليات الإمام المهدي (ع) نفسه في الإطلاع على نقاط الضعف في الدول والحكام ، الأمر الذي ييسر له أحسن النتائج وأسهلها خلال الفتح العالمي كما سبق أن أوضحنا .

الزاوية الثالثة : إن الدولة التي سيؤسسها المهدي (ع) في منطقة من العالم قبل استيعاب الفتح العالمي ،ستكون نموذجاً حياً للأطروحة العادلة الكاملة ،وسيرى العالم كله ما يشملها من الرفاه والأخوة والعدل. الأمر الذي يجعل أنظار العالم مركزة على هذا النظام الجديد وراغبة فيه بشغف شديد .

الزاوية الرابعة : ما يقوم به المهدي (ع) من مناقشات فكرية وعقائدية ودينية ، الإثبات الفكري الحق ودحض كل ما يخالف من الأساليب والإيدولوجيات وسيكون ذلك على نطاق واضح وواسع ومقنع ، مضافاً  إلى ما سنسمعه من أن المسيح عيسى بن مريم عند نزوله سيقوم بمثله هذه  الحملة أيضاً .

 

صفحة (415)
 

وهذا ما اشير إليه في بعض الحدود في الروايات السابقة ، وإن الراهب الذي ترسله رومية (روما – اوروبا) سوف يؤمن بالمهدي ويشهد بوجود صفاته في الكتب الدينية القديمة الموجودة عنده ، وأن المهدي هو (صاحب رومية) يعني أن مستقبلها سيكون إليه لا محالة .

الزاوية الخامسة : الفتح الإعجازي عند انحصار الأمر فيه ، بحيث يكون مطابقاً لقانون المعجزات .وهذا ما قد تعن الحاجة إليه أحياناً.

ونستطيع أن نتصور رد الفعل العالمي لو حدث ذلك مرة واحدة أن كل الدول الأخرى سوف تنهار معنوياً وتعلم بنهايتها ، طبقاً لقول الشاعر :

    مـن حلقـت لحـيـة جـــار لــه          فـليسكـب المــاء على لحـيـتـه

لأنها تعلم أن الجيش المهدوي سيغزوها لا محالة، فإن أمكن بالطريق الطبيعي ، فهو... وإلا فسيدخلها بالمعجزة ...وهذا من أقوى أسباب الرعب الذي سمعنا انتشاره بين أعداء المهدي (ع) من الروايات .

فهذه الزوايا الخمسة المتوفرة للإمام المهدي(ع) تيسر الفتح العالمي السلمي بكل وضوح .مضافاً إلى الضمانات الأخرى التي عرفناهالإنتصاره ، والتي تتناسب مع السلم كما تتناسب مع الحرب .

وإذا تمت هذه الزوايا كانت مؤيدة للأخبار الدالة على الفتح السلمي .فيصبح من الممكن القول بأن هذه الأخبار صحيحة من هذه الناحية لا غبارعليها .

النقطة الثانية : إن أكثر نقاط الضعف السابقة غير صحيحة :

فالنقطة الأولى وهي عدم قابليتها للإثبات التاريخي ، ارتفعت بعد دعم الروايات بالزوايا الخمس السابقة .

وأما النقطة الثانية : فلأن الفتح السلمي ، لاينافي شمول (السيف) المهدوي لغير الشرق الأوسط .لأن المتعصبين ضد الحق في أوروبا وغير اوروبا كثرين أيضاً ،بحيث لا يمكن أن عايشوا المجتمع العادل الكامل ، فيجب الإجهاز عليهم مقدمة للتطبيق العادل .وهذا القتل غير الفتح العالمي ، بل يستمر بعد الفتح .غير أن شمول هذا القتل لكل العالم قد ينافي ما دل على اختصاصه بالشرق أو بالبلاد الإسلامية ، وكان التبرير النظري مؤيداً لذلك كما عرفنا . ومن هنا لا يكون ما دل على الشمول قابلاً للإثبات التاريخي .

 

صفحة (416)
 

غير أن نقطة الضعف الثانية لن تكون صحيحة ،لأن شمول السيف، على تقدير صحته ، ليس للفتح بل للتنظيف .

وإن كان الإلتزام بشمول القتل لأوروبا وغيرها ، على نطاق أضيق من البلاد الإسلامية ، و بشكل لا ينافي المبرر النظري السابق ، لا محذور فيه ... فيشمل من يقابل المهدي (ع) بالسلاح – كما دلت هذه الروايات – وكل شخص ميؤوس من حسن مشاركته في مجتمع العدل العالمي سلفاً .

وأما نقطة الضعف الثالثة: وهي الفتح عن طريق المعجزات فقد عرفنا إمكان ذلك عند توقف الفتح عليه أحياناً ... لا أقل من مرة واحدة لكي تلقي الرعب في قلوب الدول الأخرى .

وأما النقطة الرابعة: فقد وردت هذه الأخبار على لسان عصرها ،وطبقاً لمستواه الفكري والثقافي طبقاً لقانون   ( كلم الناس على قدر عقولهم ) .ولا يعني ذلك، بقاء المدن على الشكل القديم إلى عصر الظهور.

وأما نقطة الضعف الخامسة : فهي صحيحة ، غير انها شاملة لكل الأخبار ، لعدم ورود اسم القسطنطينية إلا في بعضها .فلعله خطأ من الراوي باعتبار نقل الحديث بمعناه لا بلفظه ، أو لأي سبب آخر .

ووجود هذه النقطة في بعض الأخبار لا يعني الإعتراض على أصل الفكرة  ، وهي الفتح العالمي السلمي ،كما هو واضح .

وعلى أي حال ،فهذه الفكرة تكشف لنا عن أن التخطيط الذي يتخذه المهدي (ع) في مناطق العالم المختلفة غير التخطيط الذي يتخذه في الشرق الإسلامي ، ويبقى التعرف على التفاصيل مصوناً في ضمير الغيب إلى حين مجيء ذلك الزمان .


صفحة (417)