وجواب ذلك : اما موقف الإمام المهدي (ع)  تجاه الكفار والمشركين ، فهو ما سيأتي عرضه ، فالسؤال غير وارد بالنسبة إليهم ، لأن تخطيطهم الخاص بهم ، وإنما يختص السؤال بالبلاد الإسلامية خاصة .

ونحن بهذا الصدد يجب أن  نلتفت إلى ما ذكرناه من أقسام الإخلاص الثلاثة التي ينتجها التمحيص السابق على الظهور، فإن مجموع الأفراد الناجحين بأي درجة من تلك الدرجات يمكنهم المشاركة في المجتمع العادل و التجاوب معه ، ما لم يصدر من بعضهم سوء في النية أو العمل . كهؤلاء الذين سمعنا أن المهدي (ع) يأمر بقتلهم . وإلا فالناجحون بشكل عام لهم القابلية للتعايش بسلام في دولة الحق والعدل .

ولئن كان الناجحون من القسم الأعلى هم قواد جيش المهدي (ع). وحكام الأرض من قبله . وكان الناجحون  من القسم الثاني جيشه المحارب ....فالناجحون من القسم الثالث هم قواعده الشعبية المطبقة للعدل ....ويلحق بهم كل من يعرف  منه التوبة النصوح – التي لا رجعة بعدها إلى الذنوب – والإعتدال الحقيقي الكامل ، فيكون مجموع  هؤلاء عدداً ضخماً  أيضاً يكفي لانطباق الكثرة المبينة في الروايات  بكل تأكيد .

وقد يخطر في الذهن سؤال آخر وهو: أن ظاهر هذه الروايات أن كثرة القتل مختصة بالمسلمين ، لا تشمل غيرهم فلماذا كان ذلك ، مع العلم أن الكافر والمشرك أبعد عن الحق ، وأحق بالقتل من المسلم المنحرف ؟!

والجواب على ذلك ، يكون على مستويين :

المستوى الأول : إننا ننكر الدلالة الروايات على هذا الإختصاص .لأن هذه الروايات على قسمين :

القسم الأول : ما كان مطلق الدلالة ليس فيه أي إشعار بالإختصاص بالمجتمع المسلم .بل ظاهره العموم لكل الناس ... كقوله: " القائم يسير بالقتل ...ولا يستتيب أحداً " و" ما هو إلا السيف " " فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل " .ونحوها .


صفحة (402)
 

القسم الثاني : الأخبار التي وردت فيها تسمية بعض الجماعات .وهم كما يلي :

قريش . البترية ، أهل الاسواد ، العرب ، الفرس ، سبعين قبيلة من قبائل العرب .

أما البترية ، فالمفروض فيهم الإنحراف واستحقاق القتل .وأما الجماعات الأخرى فهي انتسابات غير دينية ، يوجد في كل منها مسلمون بمختلف مذاهبهم وغير مسلمين بمختلف أديانهم ، بنسب مختلفة بطبيعة الحال .

وإيراد أسماء هذه الجماعات في الأخبار لا ينفي شمول القتل لغيرها ، كل ما في الأمر ، أن قانون (كلم الناس على قدر عقولهم) منع القادة الإسلاميين من بيان كل الجماعات المشمولة  للقتل ، لعدم تحمل المستوى العقلي والثقافي للناس عند صدور هذه النصوص لإستيعاب ذلك .

المستوى الثاني : أننا لو تنزلنا عن المستوة الأول ، وسلمنا بظهور الروايات بإختصاص كثرة القتل بالمسلمين فهذا ليس أمراً مروعاً ، بل هم أمر يمكن أن يكون مطابقاً مع القواعد الإسلامية العامة والتخطيط الإلهي العام.    

فإننا سبق أن أشرنا لغير المسلمين أو البلاد غير الإسلامية تخطيطاً خاصاً بها في أسلوب السيطرة عليها نطقت به الروايات التي سنسمعها ، وهي سيطرة يغلب عليها الجانب السلمي .كما أن للمسلمين أو للبلاد الإسلامية تخطيطها الخاص بها ،وهو كثرة القتل التي نطقت به هذه الروايات .وهذه الكثرة ليست لأجل السيطرة بل لأجل التنقية والتنظيف من العناصر السيئة .

والفرق بين المسلمين وغيرهم يتمثل في عدة خصائص :

الخصيصة الأولى:  إن (الحجة) الكاملة بصدق الإسلام وأحقيته، واضحة في أذهان كل المسلمين ،ومعلنة على نطاق واسع جداً بينهم بخلاف غير المسلمين فإن هذا الوضوح لم يتوفر للجميع على حد واحد.

الخصيصة الثانية : إن الأمة  الإسلامية هي الحاملة للأطروحة العادلة الكاملة ، والمطبقة الأولى لها في بلادها ذلك التطبيق الذي سيكون الشكل الأمثل لهذا الأطروحة في العالم كله.

الخصيصة الثالثة : إن الأمة الإسلامية ستكون الحاملة لهذه الأطروحة إلى العالم ، والمبشرة ،بها فكرياً وتطبيقياً تجاهه .وبالتالي سيكون لها مركز القيادة في العالم كله .

الخصيصة الرابعة : إن المسلمين يكونون قد مروا بتخطيط كامل للتمحيص وهو التخطيط السابق على الظهور . وانتج هذا التمحيص نتائجه فيهم ، وكان تمحيصهم منصباَ على (الإطروحة) التي تمت الحجة بها عليهم. بخلاف البلاد غير المسلمة ، فإنها مرت بالتمحيص ، ولكن من زوايا أخرى أوجبت نتائج مغايرة ، كانكشاف زيف الأطروحات الأخرى ، ونحو ذلك .

 

صفحة (403)
 

وكل هذه الخصائص تستدعي من الأمة الإسلامية أن تكون في اعلى درجات الإيمان وأقوى درجات الإخلاص ، والمثال الأفضل للأطروحة التي تتبناها .فمن لم يكن كذلك من المسلمين ،فإنه سيوجب عاجلاً أم آجلاً ، الإخلال بالقيدة والتطبيق للأطروحة العادلة الكاملة ، في بلده وفي العالم ، الأمر الذي يخل بالهدف الأعلى نفسه ،ومن هنا كان لا بد من الإستغناء عن كل خدماته  وأحاسيسه في طريق هذا التطبيق العظيم ، وذلك بنفيه من عالم الحياة ، مقدمة لذلك التطبيق .

ولن يعني هذا (التقديم) أن القيادة العالمية سوف لن تبدأ إلا بعد الإنتهاء من هؤلاء المنحرفين جميعاً .فإن القيادة سيتولاها في وقتها المناسب أؤلئك المخلصون المؤهلون لها ، وسيستغني عن خدمات المنحرفين ريثما يتم الإجهاز عليهم جميعاً .وسيأتي إيضاح  ذلك بشكل أوسع عند الحديث عن الروايات التي  تنص على استمرار القتل مدة ثمانية اشهر.

الجهة الثالثة : في إيضاح بعض النقاط  الواردة في هذا الخبر :

النقطة الأولى: الظاهر الأولي للروايات هو أن الإمام المهدي(ع) يستعمل السيف في قتال المنحرفين. وهو السلاح الذي كان مستعملاً في عصر صدور هذه الأخبار .

ومن الواضح بالضرورة أن المهدي (ع) يستعمل سلاح آخر لعدم إمكان الإنتصار به .إلا عن طريق المعجزة التي برهنا على عدم نفوذها في مثل ذالك ، لإمكان التعويض عنها بالطريق (الطبيعي) باستعمالها السلاح المناسب للعصر .

ومعه يتبرهن ضرورة حمل السيف على المعنى الرمزي الذي يراد به أي سلاح . وهذا ما طبقناه في التاريخ السابق ، وهو ساري المفعول في كل الروايات كما هو واضح . وإنما ذكر السيف بالخصوص انطلاقاً مع المستوى العقلي والثقافي لعصر صدور هذه الأخبار .

النقطة الثانية : ورد التأكيد في أكثر من خبر من الأخبار السابقة :إن الأمور لا تستقيم للمهدي (ع) عفواً ومن تلقاء نفسها ... بل تحتاج إلى جهد  وجهاد و" لو استقامت لأحد عفواً لأستقامت لرسول الله (ص)  حين أدميت رباعيته وشجّ في وجهه ... فإن النبي(ص) – وهو خير البشر- أولى من المهدي باستقامة الأمور عفواً ، لو كان ديدن الدعوة على إيجاد هذه الإستقامة .ولكنها لم تستقم لخير البشر (ص) إذن فهي لا تستقيم لمن دونه ، لا لقصور في القيادة عندهم ،  بل لأن ديدن الدعوة الإلهية ليس على ذلك .

صفحة (404)