ولعل هذا هو المقصود من قوله تعالى :
"يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً "(1)

كما جاءت به بعض الروايات (2) . وهذا هو المعنى الظاهر من الآية عند مراجعة سياقها حين يقول –عز وجل: " يوم يأتي بعض آيات ربك .لاينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، قل انتظروا إنا منتظرون ."

وسيأتي الكلام عن ذلك في الجزء الخاص بالقرآن الكريم من هذه الموسوعة .

واما الناجحون الممحصون في هذا التخطيط العام ، فهم المؤمنون بالمهدي (ع) المبايعون له ، الآمنون في دولته ، السعداء في ظل عدله .وهم الذين يباشرون القتل تحت قيادته ، وقد سبق أن سمعنا عنهم :أنه يعطي الواحد منهم قوة أربعين رجلاً . لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجل .

الموقف الثاني : ارتباط كثرة القتل بالتخطيط العام لما بعد الظهور .

فإذا عرفنا ان هدف هذا التخطيط هو إقامة المجتمع الإيماني الكامل الذي تحكمه دولة الحق ويسوده التشريع العادل الكامل . ومثل هذا المجتمع لا يمكن تطبيقه إلا إذا تظافرت القوى من قبل الدولة والشعب معاً على تنفيذه وإنجازه .فإنه يحتاج – وخاصة عند بدء التطبيق – إلى جهود وتضحيات كثيرة . فما لم يكن الأفراد على مستوى المسؤولية في تطبيق التشريع العادل على كل أقوالهم وأفعالهم ، لا يمكنهم أن ينجوا فيه . ومن ثم قد يصبحوا سبباً في فشل التخطيط أساساً .

ومن المعلوم أن المعطى الفردي وألإجتماعي لهذا التضحيات والتجاوب مع هذه المتغيرات . يتناسب عكسياً مع قلة الإيمان والشعور بالمصلحة الأنانية .فإن الإنسان بمقدار ما تحتويه نفسه ويتضمنه كيانه الفكري والعقائدي من نقاط ضعف .فإنه ينساق إلى تفضيل مصلحته الأنانية على السلوك العادل .ومهما كبرت في الفرد نقاط  ضعفه . كلما كان لمصلحته أشوق وبها ألصق ، وعن إطاعة الحكم العادل أبعد .

 

صفحة (399)
ـــــــــــــــــ

(1) الأنعام : 6/158

(2) انظر : الإحتجاج ج2 ص 317 و غيره .

 

إذن ، فمثل هذا الفرد لا يستطيع أن يواكب السلوك العادل  ورد الفعل الصالح الذي يقتضيه المجتمع العادل ، بمعنى أنه يختار عليه دائماً مصلحته وأنانيته .ومعه ينحصر تطبيق المجتمع العادل على أيدي الأفراد الصالحين العادلين ، الذين مارسوا السلوك الصالح ردحاً من الزمن .وهم الناحجون في التمحيص الموجود في التخطيط السابق . وأما الفرد المنافق والمنحرف الفاشل في التمحيص فلا يمكن أن يكون عضواً في هذا المجتمع .بل ينبغي اجتثته رأساً قبل البدء بالتطبيق العادل .

وحيث قد  انتج التخطيط العام السابق انكشاف حال الكثيرين ، في السقوط في مهوى الرذيلة والنفاق . وكونهم على مستوى عصيان ضروريات الدين ، كما سبق أن قلنا ... هذا حال أكثرية المسلمين من مختلف المذاهب. وحينئذ نستطيع أن نتصور عدد الأفراد الذين ينبغي اجتثاثهم  والإستغناء عن وجودهم ، لأجل البدء بالتطبيق العادل الكامل .

وسيكون هذا ألإجتثاث أو القتل أول خطوة رئيسية في التطبيق العادل الذي يهدف إليه – فيما يهدف – التخطيط الإلهي العام لما بعد الظهور .

ومن هنا نعرف ربطاً جديداً بين التخطيطين، حيث يكون الأول مساعداً للثاني في انتاجه لهدفه .فإن الأول ، وهو تخطيط عصر الغيبة ، يكشف ما في نفوس الأفراد من زيف ونقاط ضعف عن طريق التمحيص الطويل ، لكي يستغني عنهم وينزه المجتمع عن وجودهم أخذاً بالتخطيط الثاني .

إذن ، فالقتل ليس تكتيكاً عسكرياً محضاً لمجرد السيطرة والإنتصار ، بل هو مقدمة أساسية للتطبيق العادل ، ومن هنا نرى أن المهدي (ع) يقتل الأفراد في غير الحرب أيضاً ، كما وردت به الروايات . كالذي سمعنا عن أبي عبد الله (ع) أنه قال :بينا الرجل على رأس القائم يأمر وينهى ، إذ أمر بضرب عنقه . وغيرها ،كل ذلك تجنباً من العناصر السيئة في المجتمع الصالح .

ولو تكلمنا بلغة العصر الحديث لقلنا : إن تطبيق الحاكم العقائدي لمبدئه وعقيدته على دولته ، يتوقف على استئصاله لكل معارضيه وكل من يحتمل صدور الخلاف منه استئصالاً تاماً....ولا يكفي فيهم الملاينة وتأجيل العقاب بعد الجريمة ، كيف وهو يعلم أن مبدأه هو الحق، وكل مخالف له هو مخالف للحق ، وكل مخالف للحق مجرم ، وكل مجرم لا يمكن أن يعيش في مجتمع الصالحين .

 

صفحة (400)
 

ومن هذه النقطة بالذات ، يبدأ سبب عدم قبول توبة التائب ....فإن الشخص المتمرس بالإنحراف والمعتاد على العصيان وعلى عبادة شهواته وتقديم مصالحه ، لا تكون توبته حقيقية أبداً ، وإن شعر هو وقتياً بذلك ،وإن كانت الشريعة تحكم بكونه إنساناً صالحاً في الظاهر .. غير أن المطلوب بعد الظهور ، وجود الإنسان العادل في الواقع ، لا العادل في الظاهر ، والتوبة – وخاصة إذا كانت نتيجة للخوف – لا تغير واقع الإنسان من الناحية النفسية والفكرية ، بل يبقى هو الإنسان المعتاد على تقديم مصالحه على كل شيء ، فينزل قدمه في أول عثرة ، إذن فلا بد من رفض توبته والإستغناء عن وجوده .

ولأجل هذا الهدف بحسب ما ندركه الآن ، جاز للمهدي (ع)  قتل المسلمين وإن لم يحاربوا ....بالرغم من أن ذلك لم يكن جائزاً شرعاً قبل الظهور لأي قائد إسلامي آخر ، بما فيهم النبي (ص)  وعلى أمير المؤمنين (ع) وإنما قاتل علي (ع) من حاربه من المسلمين خاصة .ولذا سمعنا من الروايات أن سيرة المهدي (ع) تختلف من هذه الجهة عن سيرتهما ، فإنهما سارا بالعفو والملاينة مع الناس المنحرفين والمنافقين .وأما المهدي (ع) فهو مكلف من قبل الله تعالى " في الكتاب الذي عنده " باستئصالهم أجمعين .فهو يقتلهم حتى يرضى الله عز وجل . أي حتى  يكون  ما أمر به مطبقاً ونافذاً ومنهياً .

ومن هنا نسمع في بعض الروايات التأكيد على  ذلك ، كالذي رواه في البحار عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في حديث عن القائم  يقول فيه : لا، يا أبا محمد ، ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب ،إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا ، فاليوم محرم علينا وعليكم .ومن خالفهم هم  الفاشلون في التمحيص في أي مذهب كانوا .

وسيكون الإستغراب من كثرة القتل، في بعض الأوساط الضعيفة الإيمان موجوداً " حتى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمد ، لو كان من آل محمد لرحم".

وستكون هذه الكثرة سبباً في بث الرعب في هذه الأوساط ، وغيرها الرعب الذي عرفنا أنه يسير أمامه شهراً، ووراءه شهراً ، وإلى جانبيه شهراً وعرفنا أن هذه  الكثرة من أسبابه .

وقد يرد إلى الذهن هذا السؤال :أن مقتضى هذا التسلسل الفكري ،هو أن المهدي (ع)  سوف يقتل أكثر المسلمين  ولاتبقى إلا البقية الصالحة القليلة التي تبايعه وتنصره .

بل إذا كان المنحرف من المسلمين مستحقاً للقتل فكيف بالكافر والمشرك : إذن فهو لا بد أن يستأصل البشرية كلها سوى هذا النفر القليل .وهذا بالجزم واليقين مخالف للهدف  الإلهي والغرض المنشود ، فإن هدف مجعول لأجل مصلحة البشر والرحمة بهم وإسعادهم ، لا لأجل استئصالهم وقطع دابرهم ، فكيف نوفق بين الأمرين .


صفحة (401)