الفصل الرابع

في كيفية ومدة استيلاء المهدي (ع) على العالم
 

تمهيد :

 قلنا أن التعرف على كيفية استيلاء المهدي (ع) على العالم بمعنى الإطلاع على تفاصيل خططه الحربية، وغير ذلك ، متعذر على الباحث السابق على الظهور فيبقى ذلك موكولاً إلى حتى مجيئ عصره . وإنما نتكلم الآن في حدود إمكاناتنا والإثباتات التي نملكها عن ذلك .وما يمكن أن يندرج تحت هذا العنوان من إثبات ينقسم إلى عدة أمور :

الأمر الأول : أن أول حرب يخوضها الجش المهدوي ، هي حربه مع السفياني – بأي معنى فهمناه ـ . ويتم بانتصار الجيش المهدوي ومقتل السفياني وسيطرة المهدي (ع) على العراق ، بل على كل المنطقة التي كان يحكمها السفياني ، وهي سوريا والعراق على الأقل .وهذا ما سبق أن عرفناه بشكل موجز ، ونعرض له الان مفصلاً .

الأمر الثاني :إن الإمام المهدي (ع) سوف يضع السيف في كل المنحرفين الفاشلين في التمحيص ، ضمن التخطيط السابق على الظهور ، فيستأصلهم جميعاً ... وإن بلغوا الآلاف ، ولا يقبل إعلانهم التوبة والإخلاص .

الأمر الثالث : إن مدة وضع السيف ستكون ثمانية أشهر ، وقد يفسر ذلك بأن مدة فتحه للعالم كله هو هذا المقدار ... وسنتحدث عن ذلك .

الأمر الرابع : إن فتحه للعالم سيتم في الأغلب ، بدون قتال ، كما سيأتي مع الإشارة إلى أسلوبه وفلسفته .

ومن هنا سنتحدث في هذا الفصل ضمن أقسام أربعة :

 

صفحة (389)
 

القسم الأول : حرب السفياني مع الإمام المهدي (ع)  ونتكلم عنه ضمن جهتين : 

الجهة الأولى : في سرد الأخبار الواردة  بهذا الصدد .

أخرج أبو داوود(1) ونقله السيوطي(2) عن ابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى والطبراني عن أم سلمة عن النبي (ص) ، قال:

يكون اختلاف عند موت خليفة ..إلى أن يقول : ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً ، فظهرون عليهم ، وذلك بعث كلب ، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب .... الحديث .

واخرج السيوطي(3) عن أبي عمر الداني عن حذيفة ، قال: قال النبي (ص) – في حديث يذكر فيه ظهور المهدي(ع) وبركات دولته :

فيقدم الشام ، فيذبح السفياني تحت الشجرة التي أغصانها إلى بحيرة طبرية، ويقتل كلباً .قال رسول الله (ص): فالخائب من خاب يوم كلب ، ولو بعقال .قال حذيفة : يا رسول الله ، كيف يحل  قتالهم وهم موحدون؟ فقال رسول الله (ص) : يا حذيفة هم يومئذ على ردة ، يزعمون أن الخمر حلال، ولا يصلون .

وأخرج المجلسي في البحار(4) مرفوعاً إلى جابر بن يزيد عن أبي جعفر(ع) قال :

إذا بلغ السفياني أن القائم قد توجه إليه من ناحية الكوفة ، فيتجرد بخيله حتى يلقى القائم  ، فيخرج ويقول : أخرجوا إليّ ابن عمّي . فيخرج عليه السفياني ، فيكلمه القائم (ع) فيجيء السفياني فيبايعه .

ثم ينصرف إلى أصحابه ، فيقولون له : ما صنعت ؟ فيقول : أسلمت وبايعت . فيقولون : قبح الله رأيك ، بينما أنت  خليفة متبوع ، فصرت تابعاً . فيستقبله فيقاتله ، ثم يمسون تلك الليلة ، ثم يصبحون للقائم بالحرب ، فيقتتلون يومهم ذلك . ثم إن الله تعالى يمنح القائم القائم وأصحابه أكتافهم ، فيقتلوهم حتى يفنوهم ... الحديث.
 

صفحة (390)
ـــــــــــــــــ

(1) السنن ج2 ص422 الو ما بعدها .   (2) الحاوي ج2 ص126.

(3) المصدر ص160.                    (4)ج13 ص199.

 

واخرج أيضاً (1) عن عبد الأعلى الحلبي عن أبي جعفر (ع) – في حديث طويل – ذكر فيه القائم المهدي(ع) إلى ان ذكر دخوله الكوفة . ثم قال :

ثم يقول لأصحابه: سيروا إلى هذا الطاغية . فيدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه (ص) ، فيعطيه السفاني من البيعة سلماً . فيقولون له كلب وهم أخواله : ما هذا ؟ ما صنعت ؟ والله ما نبايعك على هذا ابداً . فيقول ما أصنع ؟ فيقولون : استقبله . فيستقبله ثم يقول له القائم: خذ حذرك، فإني أديت إليك ، وأنا مقاتلك . فيصبح فيقاتلهم ،  فيمنحه الله أكتافهم ، ويأخذ السفياني أسيراً . فينطلق به فيذبحه بيده.

وأخرج السيوطي(2) عن نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم عن محمد بن علي قال:

إذ سمع العائذ الذي بمكة الخسف خرج مع اثني عشر ألفاً وفيهم الأبدال حتى ينزلوا إيلياء ، فيقول الذي بعث الجيش حتى يبلغه الخبر من إيلياء : لعمر الله لقد جعل الله في هذا الرجل عبرة ، بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض . إن في هذا لعبرة ونصرة .فيؤدي إليه السفياني الطاعة . فيخرج حتى يلقى كلباً ، وهم أخواله ، فيعيرونه بها صنع ، ويقولون : كساك الله قميصاً فخلعته ! فيقول  ما ترون ؟ استقيله البيعة ؟ فيقولون : نعم . فيأتيه إلى إيلياء فيقول : أقلني ( فيقول :بلى) فيقول له: أتحب أن أقيلك ؟ فنقول : نعم ، فيقيله . ثم يقول : هذا رجل قد خلع طاعتي . فيأمر به عند ذلك ، فيذبح على بلاطة باب إيلياء . ثم يسير إلى كلب فينهبهم . فالخائب من خاب يوم نهب كلب .

إلى بعض الأخبار الأخرى .

 وقوله : رجل من قريش أخواله كلب ....هو السفياني بقرينة الأخبار الأخرى وظاهر الأخبار أن  نسبه في آل أبي سفيان وأنه من قبيلة (كلب)  . ويوجد من أفرادها جماعة من أهم بطانته ومناصريه .


صفحة (391)
ـــــــــــــــــ

(1) ج13 ص 189

(2) ص 146

 

وقوله : أخرجوا إلى ابن عمي  ...اطلاقاً من ادعاء أن آل أبي سفيان وآل أبي طالب ( ومنهم المهدي ) أولاد عمومة .وهو ادعاء لم يؤيده التاريخ ، وظاهر الخبر أنه من كلام السفياني نفسه .

وقوله : بينما أنت خليفة متبوع ... ظاهره أن السفياني يمارس الحكم باسم الخلافة الإسلامية . وهو بعيد . غير أن الخبر جاء طبقاً لمستوى لعصر صدوره ، فإن الحكم كان باعتبار الخلافة يومئذ .

و(ايلياء) اسم بلدة . والظاهر أنها الكوفة باعتبار أمرين :

الأمر الأول : أن المهدي ينزلها بعد الخسف . قال في الخبر " خرج في اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيلياء". وقد عرفنا أن الكوفة هي المركز الرئيسي للمهدي (ع)  بعد خروجه من مكة وقدومه العراق.

الأمر الثاني: أن الكوفة كانت هي عاصمة حكم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) . ومن هنا سميت بإيلياء  اشتقاقاً من لفظ (علي) .

وقوله : العائذ الذي بمكة هو المهدي (ع) . كما نطقت بذلك الروايات الكثيرة التي سمعناها  في هذا التاريخ والتاريخ السابق .وهو الذي يحدث الخسف من أجله كما عرفنا مفصلاً .

الجهة الثانية : في الفهم العام لهذه الروايات ، متصلاً بالفهم العام السابق الذي قدمناه إلى حين وصول المهدي إلى العراق .

بعد حدوث الخسف يحصل عند السفياني ، بأي معنى فهمناه ، حجة واضحة في أن الحق إلى جانب المهدي (ع) فيقول: لعمرو الله لقد جعل الله في هذا الرجل عبرة .

بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض . إن في هذا لعبرة ونصرة .

ويسير المهدي (ع) حتى ينزل الكوفة في هذا الجو الملائم ، الذي عرفنا أنه الأطروحة الرئيسية لتغطية تحركات المهدي (ع) سلماً . فيطلب السفياني مواجهته في الكوفة ، فيتقابلان ، فيتكلم معه الإمام (ع) فيزيده عقيدة به . فيبايعه السفياني ، ويعتقد بإمامته . ولم تصرح الروايات بالصيغة المتفق عليها بينهما . غير أن المفهوم عموماً أنه ليس تنازلاً مطلقاً من قبل السفياني . بمعنى أنه يبقى حاكماً سياسياً كما كان بالرغم من مبايعته .

صفحة (392)