وهو قوله تعالى :
" إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون " (1)

 وتسبب هذه العناصر الميتافيزيقية إلى رفع معنويات المسلمين ، هو المستفاد من نفس هذه الآيات السابقة حيث تقول :" وما جعله الله إلا بشرى  لكم ولتطمئن قلوبكم به " . وأما الحصول على النصر الكامل من الله  عز وجل وحده . " وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم " .

وهذا التسبب الإلهي  ليس على وجه القسر غير مناف مع إرادة المجاهدين وتضحياتهم .وإنما هو التسبب الإلهي الموجود في كل الكون ، حتى نزول المطر وخروج النبات التي يكون استناداً إلى الأسباب الطبيعية واضحاً .قال الله تعالى :

" وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافاً"(2)

وبهذا نستطيع أن ندرك أن الإنتصار الذي يحرزه الجيش المجاهد ، ناتج من عمله وإرادته ، وليس للعوامل  غير المنظورة من إنتاج إلا رفع هذه الإرادة وتركيز هذا العمل .

وليس من قبيل المعجزة ، لأن المعجزة تكون بسبب ميتافيزيقي قسري خارج عن إرادة البشر، وليس موردنا من هذا القبيل .

وأود في هذا الصدد، أن أشير إلى أن ألآيات لم تنط إنزال الملائكة كون القائد نبياً أو رسولاً ، بل ولا كون المؤمنين في حالة حرب فعلاً وإنما أناطت ذلك بأحد لأمرين :

الأمر الأول : الصبر والتقوى. قال تعالى :

" بلى إن تصبروا وتتقوا ، ويأتوكم من فورهم هذا ...." الآية...

الأمر الثاني : الإستغاثة إلى الله تعالى بطلب العون . قال الله تعالى :

" إذ تستغيثون ربكم ، فاستجاب لكم إن يممدكم بألف من الملائكة مردفين "

وهذا هو معنى ارتباط هذا التأييد الإلهي بدرجة كافية من الإخلاص في طريق الله  والجهاد المقدس والأهداف العادلة .

 

صفحة (387)
ـــــــــــــــــ

(1) النساء : 4/ 104.

(2)عم : 78/14-16.

 

ومتى حصل أحدا لأمرين وجد الإمداد الإلهي ، بغض النظر عن شخص القائد ، نبياً كان أو إماماً ... وبغض النظر عن العمل العادل الذي يقوم به المسلمون ، حربياً كان أم سلمياً .

ومن هنا لم  تنص الروايات على معونة الملائكة للمهدي (ع) في خصوص الحرب .

وقد سبق أن سمعنا جبريل (ع ) ينزل لمبايعته ، وليس المهدي (ع) في ذلك الحين في حالة حرب .

هذا ، وإن الإيمان بمعونة الملائكة مبني على الإيمان بوجودهم بطبيعة الحال ، وهو متوفر لدى كل من يعتقد بالمهدي (ع) . وأما الجدل العقائدي ضذ الماديين وغيرهم في إثبات ذلك ، فليس مجاله هذا الكتاب . ويكفينا نحن كمسلمين ، تصريح القرآن الكريم بوجودهم .

وإلى هنا تمت لدينا فكرة كافية عن ضمانات النصر للإمام المهدي (ع) التي ينطلق منها إلى تحقيق هدفه الأعلى في البشرية .ولعل هناك ضمانات أخرى لا ندركها ، أو لم يحصل لها الإثبات التاريخي الكافي .

ولعل أي واحد من هذه الضمانات الثمانية كاف في الإنتصار على العالم أما أكثر من واحد منها ، فضلاً عن مجموعها ، ففيه أكثر من الكفاية . بل يكفي لفتح العالم في مدة قصيرة لا تتعدى الثمانية أشهر ، على ما يستفاد من عدد من الأخبار التي سنسمعها في الفصل الآتي .بل تكفي لفتح العالم أو أكثر أجزائه بدون قتال ، كما يستفاد من عدد آخر من الأخبار التي سنسمعها هناك أيضاً ، ولا يكون ذلك مستبعداً أبداً.

 

صفحة (388)