|
|||||
|
ومعه ستكون فكرته مقنعة للآخرين من الشعوب المعادية ، فيكتسب فيها قواعد شعبية عسكرية واسعة ، ولا يكون الفرد منهم على استعداد لمواجهة المهدي وجيشه بالقتال على أقل تقدير . ومعه ستضطر حكومة تلك البلاد ، مهما كانت عازمة على الحرب والصمود ، إلى التنازل والمسالمة ، لأن الحاكم يكون في مثل ذلك كالأعزل ، لا حول له ولا قوة . وتدريجياً ، وبالتدريج السريع نسبياً ، سيتضح للدول الكافرة ، بأن المستقبل العالمي بيد المهدي (ع) على أي حال ، كحقيقة لا يمكن الفرار منها ، أو – على الأقل - وجود النظام المهدوي كدولة كبرى يصعب جداً مجابهتها ومنافرتها . بل من الأفضل مجاملتها والتزلف لديها .وهذا وذاك . مما يدفع الأفراد والدول على حد سواء إلى التسليم بالمهدي (ع) وعدم مجابهته بالقتال . فهذا عدد من الخصائص التي يتصف بها المهدي (ع) مما توجب الرعب لمن يحاربه .ومقتضى ذلك : أن الرعب يتولد تدريجياً عند البدء بغزو العالم . لأ من أول الظهور ، وهذا هو ظاهر الروايات أيضاً . وأما خصائص اصحابه . فأمران رئيسيان : الأمر الأول : قوة اندفاعهم وحماسهم في إطاعة أوامر قائدهم وتطبيق خططه. تلك القوة الناتجة من علو إيمانهم وصلابة إرادتهم وارتفاع معنوياتهم ووعيهم للهدف الذي يسعون إليه . وليس هناك أي واحد من القادة أو الحكام في الدول ، يجهل هذه الحقيقة التي قلناها فيما سبق ، وهي أن الجيش المؤمن الواعي ذو المعنويات العالية هو المنتصر دائماً. وكل القادة والحكام سيعلمون ، وبسرعة بصفة جيش المهدي من هذه الناحية .وهم يعلمون صفة جيوشهم من ناحية ثانية .فإنها وإن كانت مسلحة تسليحاً كاملاً ومدربة تدريباً عالياً إلا أنها لا تقوم في أساسها على الإخلاص ووعي الهدف ، بل تقوم على اسباب أخرى كالتجنيد الإجباري أو الطمع بالرواتب الضخمة وغير ذلك ...وهو مما لا يساعد بحال وجوده الإندفاع و الحماس في الجيش في ميدان القتال .
صفحة (378) وهذه الحقائق التي يعرفها حكام العالم . تجعلهم يفكرون طويلاً ، قبل التورط بمنازلة المهدي بقتال . الأمر الثاني: كثرة قيامهم بقتل أعدائهم بشكل غليظ لا هوادة فيه . كما سنسمع مفصلاً في الفصل الآتي ، الأمر الذي يولد انطباعاً واضحاً لدى الآخرين ، بأنهم أشداء غلاظ بالنسبة إلى أعدائهم ، الأمر الذي يولد الرعب ويسبب إعادة التفكير فيما إذا كانت مجابهتهم بالقتال يحتوي على مصلحة ام لا . الضمان الثالث : انطلاقة من زاوية متفق عليها بين المذاهب السلامية ، بل متفق عليها بشكل أوسع من ذلك وانطلاقة من مثل هذه الزاوية ، أمر أساسي في تهيئة الجو العام إلى جانبه واكتساب القواعد الشعبية الموالية، وخاصة في أول دور حركته وثورته . حتى يستطيع أن ينطلق من هذا المنطلق العام إلى ما يريد تأسيسه من العدل والحق ، وما يجيء به من كتاب جديد وقضاء جديد ، على ما سنسمع . وسيكون انطلاقه من زاوية متفق عليها ، متمثلاً من عدة مستويات : المستوى الأول: الخطاب الذي يلقيه المهدي في المسجد الحرام في أول ظهوره .فإننا رأينا انه يؤكد – في الأغلب – على الأمور المشتركة المعلومة الصحة عند سائر المسلمين ، وهي الإعتراف بالإسلام وبما سبقه من الشرائع منطلقاً منه إلى ربط حركته ودعوته بخط الأنبياء الطويل . مشيراً إلى نتائج الظلم التي تطرف إليها المتطرفون نتيجة للفشل في التمحيص . وهناك روايات ناقلة لخطبة الإمام ولا تعرض فيها إلى ذكر الظلم السائد ، الأمر الذي يجعلها أكثر تركيزاً على المفاهيم المتسالم عليها في الإسلام ، بحيث تشمل تلك القاصرة التي لا تدرك بشاعة الظلم ومنافاته لتعاليم الإسلام . أخرج السيوطي(1) عن نعيم بن حماد عن أبي جعفر ، قال: يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله (ص) وقميصه وسيفه ، وعلامات نور وبيان .
صفحة (379) (1) ج2 ص 144
فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول : أذكركم أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم . فقد اتخذ الحجر وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب ، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله (ص) ، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات ، وتكونوا أعواناً على الهدى ، ووزراء على التقوى .فإن الدنيا قددنا فناؤها وزوالها ، وآذنت بانصرام ، فإني أدعوكم إلى الله ورسوله، والعمل بكتابه . وإماتة الباطل ، وإحياء سنته .فيظهر في ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً عدد أهل بدر ... الحديث ورواها الصافي في منتخب الأثر(2) بشيء من الإختلاف .أهمه : في أولها : وقد أكد المحجة وبعث الأنبياء .وفي آخرها :وإماتة الباطل وإحياء السنة .وهو أفضل من نسخة الحاوي ، لعل فيه خطأ مطبعياً . المستوى الثاني : اتخاذ الجيش المهدوي شعار رسول الله (ص) الذي أخذه لجيشه ، كما سبق أن عرفنا . ولئن لم يكن الشعار النبوي معروفاً لدى عامة المسلمين ، فهو معروف على أي حال بين علمائهم ومفكريهم المخلصين منهم ، فيمكنهم أن يعرفوا وأن يعرفوا الآخرين : أن هؤلاء القوم قد ساروا على شعار النبي (ص)، إذن فهم مع النبي حتى في شعار حربه ، وممثلون له في خصائصه وهدفه . المستوى الثالث : مطالبته بثأر الحسين(ع). فإنه أمر متسالم على صحته بين المسلمين . بل بين كل المظلومين وهم أكثر البشرية في عصر الظلم والإنحراف . وقد سمعنا الروايات الدالة على ذلك ، وكانت كلها مروية عن طرق الخاصة ،وأود الآن أن أروي عن بعض المصادر العامة رواية تمت إلى ذلك بصلة . أخرج القندوزي في الينابيع(2) عن عبد السلام بن صالح الهروي . قال : قلت لعلي الرضا بن موسى الكاظم رضي الله عنهما : يا ابن رسول الله ، ماتقول في حديث روي عن جدك جعفر الصادق رضي الله عنه ، أنه قال: إذا قام قائمنا المهدي . قتل ذراري قتلة الحسين رضي الله عنه بفعال آبائهم . فقال: هو ذلك .
(1) ص490 (2) ينابيع المودة ص509 ط النجف
|
||||
|
|||||