وأخرج الصدوق في إكمال الدين(1) والطبرسي في أعلام الورى (2) عن محمد بن مسلم القفي قال :

سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (ع) يقول : القائم منا ، منصور بالرعب . مؤيد بالنصر ... الحديث .

وقد سبق أن سمعنا لأصحاب القائم (ع) نفس هذه الصفة ، كالذي أخرجه المجلسي في البحار(3) عن أبي عبد الله (ع) . في حديث -: إذا ساروا سار الرعب أمامهم مسيرة شهر .

الجهة الثانية :الرعب لغة هو الخوف ، ويفهم منه عادة الخوف الشديد إذا كان بدرجة لا يمكن كتمه .

ومعه يكون المقصود من كون المهدي (ع) منصوراً بالرعب انهدام معنويات أعدائه واندثار هممهم للوقوف تجاهه ، وخوفهم من جيشه الصلب الصامد .

والمقصود من مسيرة الرعب شهراً، أن البلاد الواقعة على بعد شهر من موقع جيشه ، تخافه وتصبح مذعورة منه . والمراد ببعد الشهر : المسافة التي يحتاج المسافر في قطعها إلى شهر من الزمن .

فإذا فهمنا هذه المسافة بالفهم القديم المناسب مع زمن صدور هذه الأخبار وما كان يفهمه المجتمع يومئذ ، وهو السفر على ظهور الحيوانات كالإبل والجياد . فيكون معنى مسير الرعب شهراً : أن البلاد التي تبتعد شهراً من موقع الجيش المهدوي في السفر بوسائط النقل القديمة ، تصبح مرعوبة منه .

وهذا أمر طبيعي، لأن مثل هذه البلاد ستكون مجاورة له بالمفهوم الثابت ، ويمكن الوصول إليها بالوسائل الحديثة في عدة ساعات ، بل في أقل من ساعة بل يمكن ضربها .

 

صفحة (375)
ـــــــــــــــــ

(1) إكمال الدين ( المخطوط )

(2) ص433 (3) ج3 / 180

 

بالسلاح البعيد المدى في لحظات . فإذا كان الجيش المهدوي قوياً مرهوب الجانب كان من الطبيعي أن تكون هذه المناطق مرعوبة منه .

وإذا فهمنا هذه المسافة بالفهم الحديث ، كانت  - في حقيقتها – مستوعبة للكرة الأرضية كلها ... لوضوح إمكان الدوران حولها بطائرات السفر الإعتيادية ، في أقل من شهر بكثير ، فضلاً عن وسائط النقل الحربية الحديثة والأسلحة والصواريخ المتطورة .

ومعه يكون المراد: أن كل أعداء الإمام المهدي (ع) على وجه الأرض يكونون في حالة رعب شامل وخوف دائم من مهاجمة المهدي لهم .

وسيكون هذا الرعب ، مهما كانت أبعاده ، ضماناً أكيداً لنجاح الجيش المهدوي وانتصاره وهو أمر واضح عسكرياً . غير أن الخطط العسكرية الحديثة لا تستطيع إيجاده في الأعداء .إلا أن المهدي (ع) سوف تتوفر له الأسباب المتعددة  لتنمية هذا الرعب في نفوس أعدائه ، على ما سنسمع ، بصفته القائد الأعظم المنقذ للهدف الإلهي الكبير .

ومعنى (مسير)  الرعب بين يدي الجيش المهدوي أو أمامه ، تقدمه بتقدم هذه الجيش . وهذا يؤكد فهم المسافة بالفهم القديم الذي عرضناه ، فإذا كان الرعب متقدماً على الجيش بخمسمائة كيلو متر مثلاً ، وتقدم الجيش مائة سار الرعب أمامه مائة ، فشمل مناطق كانت مطمئنة فيما سبق ....وهكذا ...حتى تدخل كل مناطق العالم تحت الحكم المهدوي .

الجهة الثالثة : في أسباب الرعب ، ومبررات وجوده في نفوس اعداء الإمام المهدي (ع ) .

وينبغي لنا منذ البدء ان نحدد موقفنا من احتمال وجود الرعي بسبب إعجازي ....

فإنه غير صحيح تماماً ....لمنافاته لقانون المعجزات ، وعدم دلالة الرواية عليه .

أما منافاته لقانون المعجزات ، فلأننا عرفنا : أن المعجزة لا تقع إلا إذا كانت طريقاً منحصراً للهداية أو اتمام الحجة ، وهذا الرعب واقع في طريق الهداية ، لكونه أحد أسباب انتصار المهدي (ع) الذي يكون سبباً لهداية العالم وتنفيذ الغرض الإلهي الكبير . ولكن المعجزة ليست سبباً منحصراً في إيجاده ، بعدما سنعرفه من أسبابه الإعتيادية .

أما عدم دلالة الروايات ، فلوضوح أنه لم يرد في أي خبر منه أي إشعار بذلك. ومسير الرعب شهراً – كما أشارت الروايات – لا يدل على الإعجاز ، بعد الذي فهمناه من المنحى المجازي لهذا التعبير البليغ .

 

صفحة (376)
 

وإنما يكمن السر الأساسي في وجود هذا الرعب ، هو أنه سرعان ما تنتشر في العالم عن المهدي وجيشه وأصحابه خصائص معينة ، يخشى الناس من استعمالها ضدهم ...وهو أمر مؤكد لو جابهوه ، ومن هنا يحملهم الرعب والفزع على أن يتركوا مجابهته جهد الإمكان . وكثير منهم سوف يسلم له زمام الحكم بدون قتال.

وهذه الخصائص منها ما يعود إلى نفس المهدي ومنها ما يعود  إلى جيشه .

فمن الخصائص التي تعود على المهدي ، أنه قادر على عدد من الإنجازات ، باعتبار علمه بخصائص الأمور والتاريخ البشري ككل . ذلك العلم الناتج عن قابلياته الخاصة التي اكتسبها حال غيبته ، أو عن علم الإمامة من حبث أثبتنا أن الإمام إذا أراد أن يعلم شيئاً أعلمه الله تعالى ذلك .وقد بحثناه مفصلاً في تاريخ الغيبة الكبرى(1) فراجع.

ومن هنا يكون قادراً على فضح اي حاكم دول العالم بما يأبى ذلك الحاكم كشفه عنه ، ويعتبره سراً مكتوماً لنفسه أو للدولة .وليس في العالم حاكم لا يفضحه كشف سره ، على مدى التاريخ السابق على الظهور .

كما أنه يكون قادراً على إيقاع الخلاف  والمنافرة بين أعضاء الحكومة بأن يخبر بعضها بما لم يطلع عليه من أعمال البعض الاخر .

بل قد يكون مجرد وجود المهدي (ع) وبدئه بحركته ، موجباً لإنقسام كثير من الحكومات انقساماً داخلياً بين مؤيد للمهدي (ع) ومحارب له ومتحير في شأنه ومجامل له .

ونفس وقوع هذا الإختلاف يكون في مصلحة انتصار المهدي (ع) .

كما أن المهدي (ع)  يكون قادراً  على معرفة مواقع الأسلحة والذخائر والمعامل الحربية . ونقاط الضعف من تحركات العدو . بشكل لا يمكن أن يطلع عليها غيره إلا بأصعب الطرق وأطول الأزمان .وقد ياخذ الخبر من الإستخبارات الحديثة أو الأخبار الصحفية ، فيفهم منها ما لا يمكن لغيره أن يفهمه .

ويكفي في مثل ذلك ، أن تفهم الدول أن المهدي واجه بعض الحكومات بمثل هذه الطرق ....أن تمتلىء رعباً وفزعاً وتنهار معنوياتها انهياراً تاماً ، بمجرد أن تعرف منه التفكير في غزوها.

 

صفحة (377)
ـــــــــــــــــ

(1) ص515 وما بعدها .

 

 
.