|
|||||
|
وأما لو انطلقنا من زاوية الفهم الإمامي ، يكون التعارض بين الروايات كبيراً ومتعدداً . ومعه لا يكون يصفو عندنا شيء معين . وأما لو انطلقنا من زاوية الفهم الإمامي ، المستلزم – كما عرفنا – لنفي التحديد عن الشكل الظاهري للإمام المهدي ، بل يكون تقريبياً على كل حال . ولعل التقريب يختلف بعض الشيء باختلاف الناظرين . ومن هنا ستتفق أغلب الروايات على (مفهوم ) معين أو تحديد تقريبي معين ، وهو تحديد لا يمكن أن نزيد عليه حتى لو كنا مواجهين للمهدي تماماً . فهو شاب المنظر وفي صورة شاب ... والإنسان يبقى شاباً حتى بعد الأربعين عادة ، وخاصة مع نظارة الجسم التي عرفناها في أوصاف المهدي . وهو أيضاً ما بين الثلاثين والأربعين ، على وجه التقريب .وهو ايضاً ابن اثنين وثلاثين ، كما يقدره بعض الناظرين ، وهي فترة تقع بين الثلاثين والأربعين ، وهو أيضاً ابن ثلاثين، كما يقدره بعض الناظرين ، وهو قريب من الإثنين والثلاثين ، بتقدير الناظرين . وهو أيضاً دون الأربعين بهذا التقدير . بل قد يصل تقدير الناس له إلى الأربعين أيضاً ، كما عليه عدد من الروايات . نعن ، لا بد من الإستغناء عن روايتين : الأولى: الرواية الدالة على أن عمره ثمانية عشر عاماً .فإنها مروية عن محمد بن حمير لا عن أحد المعصومين . مضافاً إلى منافاتها إلى أكثر الروايات السابقة ، كما هو واضح لدى التدقيق . الثانية : الرواية الدالة على أن عمره إحدى وخمسين .... وهي مروية عن النبي (ص) إلا أنها لم تصح سنداً، مضافاً غلى منافاتها لكثير من الروايات السابقة ، فإن من يكون شاباً يقدر بفترة الثلاثين والأربعين ، لا يقدر عادة بفترة الخمسين ، كما هو واضح . الجهة الخامسة : دلت الروايات التي سمعناها أن المهدي حين يظهر يكون في سن الشيوخ ، وهذا صحيح بالضرورة طبقاً للفهم الإمامي لفكرة المهدي . فإن الشيخ من تجاوز الشباب والكهولة وسواء توفي عند الثمانين والتسعين أو تجاوزها . والمهدي قد تجاوزها بكثير فهو شيخ في السن ، وقد ورد في التسليم على (نوح ) النبي (ع) : السلام عليك يا شيخ المرسلين(1) مع أن عمره بنص القرآن لا يقل عن تسعمائة وخمسين عاماً .
صفحة (369) (1) انظر مفاتيح الجنان المعرب ص347
وقد أشرنا في التاريخ السابق(1) أن العمر إذا بلغ مثل هذه الأرقام فلا ينبغي أن نتوقع للفرد شكلاً معيناً في أي فترة من فترات عمره ، بل يبقى شكله أعني شبابه وكهولته وشيخوخته ، منوطة بمشيئة الخالق الذي شاء طول عمره . وبتعبير آخر: أن هذه الفترات ستكون عنده طويلة تبعاً لطول عمره ، وحيث أننا لا نعلم أن رصيده من العمر أي مقدار ، فلا نعلم – تبعاً لذلك – أنه في أي فترة من فترات عمره . وهذه الفكرة الواضحة تدعم ما دلت عليه الروايات ، من أن المهدي (ع) يظهر في سن الشيوخ ومنظر الشبان مضافاً إلى الوضوح المرتكز في ذهن كل من يؤمن المهدي (ع) ، في أنه سوف لن يظهر وهو في سن الشيخوخة (جسمياً) بأي حال ، وإنما يظهر بما دون ذلك من عهود العمر . بالرغم من ذلك سمعنا الروايات تشير إلى أن هذا الفارق بين سنه الواقعي وشكله الظاهري، سيكون تمحيصاً ومحنة يمر بها الناس عند ظهوره (ع) . وسيكثر الفاشلون في هذا التمحيص على أثر شكهم في مهدوية المهدي ، من حيث أنه يظهر عليهم شاباً وهم يتوقعوه شيخاً كبيراً . وسوف لن يثبت على الإيمان به إلا كل مؤمن أخذ الله ميثاقه ومن الصعب ان نتصور أن يكون هذا التمحيص عاماً ، بعد كل الذي قلناه من مرتكز الأذهان ونص الروايات واقتضاء الفكرة النظرية عدم شيخوخة المهدي جسمياً . ومعه يتعين انحصار هذا التمحيص على بعض المستويات . المستوى الأول : إن هذا التمحيص ثابت بحسب الطبع الأولي للقضية ، بمعنى أن هذا الفارق الكبير بين العمر والشكل يقتضي هذا التمحيص .ولكن الروايات التي شرحت ذلك أوضحت إمكان وجود الفارق ، فالتفت الناس إلى ذلك وصار في الإمكان النجاح العام في هذا التمحيص . المستوى الثاني : إن هذا التمحيص ثابت بالنسبة إلى عدد من الناس ، يؤمنون أساساً بطول عمر المهدي و لكن مستواهم القافي واطلاعاتهم الدينية قاصرة عن إدراك إمكان الفارق بين عمره الحقيقي وشكله الظاهري ومن ثم فسيتوقعون ظهوره بصورة شيخ كبير بقدر ما يؤمنون له من العمر .فإذا رأوه شاباً ، كان ذلك غير ممكن في نظرهم ... فيكون التمحيص في حقهم ثابتاً .
صفحة (370)
(1) تأريخ الغيبة
الكبرى ص21. أقول: فهذه أربعة من الضمانات لإنتصار المهدي ، وهي التي يترتب على التخطيط الإلهي العام الثابت قبل الظهور .وهي القسم الأول من هذه الضمانات . القسم الثاني : من ضمانات انتصار المهدي في فتحه العالمي . وهو ما لا يمت إلى التخطيط العام لعصر الغيبة بصلة ...وإنما هي أمور ذات تخطيطات خاصة بها ....توجد فتؤثر في نصر الإمام (ع) من الناحية العسكرية أو الإجتماعية أو الفكرية أو غيرها . وكما كانت الضمانات في القسم الأول أربعة كذلك هي في القسم الثاني أربعة . الضمان الأول: عنصر المباغتة والمفاجأة في الهجوم أو بدء الثورة ، بشكل لم يحسب له الآخرون أي حساب. وهي عنصر مهم في فوز الجيش وانتصاره ، كما أنها عنصر يأخذه العسكريون بنظر الإعتبار في وضع الخطط العسكرية ،وأن أي خطوة عسكرية يتخذها أحد المعسكرين مما لم يكن متوقعاً بالنسبة إلى المعسكر الآخر ، تكون هذه الخطوة دائماً ناجحة في مصلحة من يتخذها . وأن أهم عنصر يكون نافعاً في الحرب هو غفلة المعسكر الآخر عن احتمال حدوث الهجوم أو بدأ الثورة أو القتال ، هو معنى المفاجأة ، إذ يكون المعسكر الآخر مأخوذاً على حين غرة بدون استعداد أو اجتماع على سلاح . فيكون احتمال انتصار المعسكر المهاجم أو الجيش الفاتح كبير جداً ، قد يصل أحياناً إلى حد اليقين . ويمكن القول : أنه كلما أمكن المهاجم ضبط عنصر المفاجأة أكثر ، صار احتمال انتصاره أكبر .حتى مت إذا اصبحت المفاجأة (مطلقة) اصبح انتصار المهاجم يقينياً . ولا زال عالقاً في أذهاننا كيف استطاعت مصر عبور خط بارليف الإسرائيلي عام 1976 باستخدام عنصر المفاجأة ، ولازال تحت سيطرة مصر إلى الآن ، مع أنها لن تكن مفاجأة (مطلقة) بالمعنى الكامل لأن الحذر و العداء التقليدي متبادل بين المعسكرين بطبيعة الحال .
|
||||
|
|||||