|
|||||
|
ومن هنا نعرف ان قو له : و يعطي قوة أربعين رجلاً .. يراد به أن الله تعالى يعطيهم هذه القوة ، لا بنحو الإعجاز ، بالأسباب الطبيعية .. .لما عرفناه من أن النفس الإنسانية قابلة لهذا التكامل والرقي ، تحت ظروف معينة تحت التربية . وهذه الشجاعة العليا ، عامة لكل الجيش ، بل تعم كل المؤمنين وكلهم من أفراد جيشه بشكل وآخر . ومن هنا نسمع الرواية تقول : فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد ، وأعطاه الله عز وجل قوة أربعين رجلا ًوهذه الفقرة واضحة في شمول الشجاعة لكل الأفراد .مضافاً إلى عدم وجود الإستثناء في هذه الصفة في أية رواية أخرى . إلا اننا – على أي حال - نعلم أن مثل هذه الشجاعة الإيمانية ، تتناسب تناسباً طردياً مع زيادة الإيمان ، فتزداد بزيادته وتنقص بنقيصته . لوضوح أن الفرد كلما كان أشد إيماناً بالهدف وأكثر إخلاصاً له ، كلما ازداد جرأة في عمله و تضحية على طريقه . وبذلك نستطيع أن نحكم : أن الخاصة من الإمام المهدي (ع) وهم القادة والحكام ، أشجع وأقوى إرادة ،امضى عزيمة من الآخرين .وإن كانوا هم والآخرون يمثلون كل الأوصاف المذكورة في الروايات وتنبسط عليهم خصائصها جميعاً . ومعه فالمفهوم أن الخاصة يتصفون بصفات أعلى مما هو مذكور في الروايات . الجهة السادسة : في مقدار إطاعتهم لقائدهم المهدي (ع) وتطبيقهم لتعاليمه ، والإعتقاد ببركة وجوده . وقد نصت على ذلك الرواية الأخيرة التي نقلناها عن البحار ، وأشبعته إيضاحاً بالرغم من أنه امر واضح في نفسه ، فإن كل إيمانهم الذ ي وصفناه في مركز الإمام المهدي (ع) ، وكل شجاعتهم التي عرفناها مبذولة في سبيل طاعته حتى أنهم وصفوا بما وصف به المهدي (ع) نفسه فقيل عنهم : إنهم إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر . وهو ما وصف به المهدي (ع) كما سيأتي . كما قيل عنهم أنهم لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله تعالى ، وهو ما وصف به (ع) أيضاً كما سيأتي |. وما ذلك ، إلا لأن فعلهم وفعله واحد ، على تنمط واحد وهدف واحد ، كما تقول : فتح الأمير المدينة. وتقول: فتح الجيش المدينة ، وأنت صادق في كلتا الجملتين . من حيث أن التعاليم بيد القائد والتطيق بيد الجيش .
صفحة (354) وقد نصت الرواية البحار على أنهم : " يتمسحون بسرج الإمام (ع) يطلبون بذلك البركة ، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب ، ويكفونه ما يريد ..هم أطوع له من الأمة لسيدها ..." الحديث . وتمسحهم بسرج الإمام (ع) ، معنى كنائي عن مدى حب أصحابه له (ع) وعلاقتهم به ....إلى حد يرون أن ملامستهم للشيء الذي لامسته يد الإمام (ع) يتضمن معنى البركة . وهذا هو الشأن بين الأحباء دائماً . إن ملامستك لثوب من تحبه أو للزهرة التي يمسكها يعطيك زخماً عاطفياً عالياً .. ليس فقط ذلك بل يشمل النظر أيضاً وقديماً قال الشاعر : نعم وأرى الهلال كما تراه .. فالنظر المشترك إلى الهلال يعطيه الزخم العاطفي المطلوب .
وليس التمسح بالسرج
،
محملا على المعنى الحقيقي ، إذ قد لا يركب المهدي (ع) بعد ظهوره فرساً على
الإطلاق. وإنما يستعمل وسائط النقل وأسلحة الحرب المناسبة مع عصر ظهوره بطبيعة
الحال . وهم "يحفزون به" أي يحيطون به "يقونه بأنفسهم في الحروب " أي
يحمونه ويصونونه ويتحملون الموت دونه . وقد كانت الإحاطة المباشرة بالقائد
كافية في الحماية من الأسلحة في الحر ب القديمة التي كانت معروفة في عصر صدور
النص . وأما الآن فلا زالت الإحاطة موجبة للحماية من كثير من الأسلحة والإعتداءات
، ويراد بها الإحاطة حال استعمال الأسلحة كركوب الدبابات أو الطائرات ، فإذا
أحاطوا به براً وبحراً وجواً ، كان في ذلك الحماية المطلوبة . وهم أيضاً يقونه بأنفسهم في الحروب بمعنى أنهم يقدمون أنفسهم فداء بين يديه . وأما أنهم يكفونه ما يريد ، فهو من كفاه الأمر إذا قام به عنه . يقال: كفى فلاناً مؤنته . إذا جعلها كافية له ، أي قام بها دونه فإغناه عن القيام بها .(1) فالمراد بيان إطاعتهم الكاملة وانقيادهم لتعاليم قائدهم ، وتنفيذهم الأمور تحت ظل قيادته . فهم" أطوع له من الأمة لسيدها" كيف لا ، مع أنهم يرون به الإمام القائد نحو العدل الكامل والنفع البشري العام .
صفحة (355)
الجهة السابعة : شعارهم
. ذكرت رواية ابن طاووس في الفتن: أن شعارهم : امت أمت . وذكرت رواية المجلسي في البحار :أن شعارهم: يالثارات الحسين (ع) . وأخرج ابن قولويه في كامل الزيارات(1) بإسناده عن مالك الجهني عن أبي جعفر الباقر (ع) ، قال : من زار الحسين (ع) يوم عاشوراء من المحرم ... إلى أن يقول : قال: قلت : فكيف يعزي بعضهم بعضاً .قال : يقولون: عظم اله أجورنا بمصابنا بالحسين (ع) ، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد (ص) ... الحديث . وتتضمن هذه الرواية نفسها الزيارة المعروفة بـ"زيارة عاشوراء" التي يزار بها الحسين بن علي (ع) ، والتي سمعنا الإمام المهدي (ع) في بعض الروايات التي نقلناها في التاريخ السابق(2) يحث على قرائتها حثاً شديداً . وتتضمن هذه الزيارة هذا الدعاء : فاسأل الله الذي اكرم مقامك أن يكرمني بك ويرزقني طلب ثأرك مع إمام منصور من آل محمد (ص) . ويقول في موضع آخر منها : وان يرزقني طلب ثأركم مع إمام مهدي ناطق لكم(3) . والشعار يمكن أن يراد به أحد معنيين :
(1) انظر ص 175 . ونقلها في( مفاتيح الجنان ص454 وما بعدها ) عن الشيخ الطوسي (2) تاريخ الغيبة الكبرى ص148 (3) انظر كامل الزيارات ص176-177 ومفاتيح الجنان ص457-457
|
||||
|
|||||