المعنى الأول : اللفظ الذي ينادي به في الحرب لأجل بث روح الحماس والإقدام في الجنود . وهو المعنى الذي كان مفهوماً من اللفظ عند صدور الروايات ، وقد كان رسول الله (ص) يتخذ الشعار في حروبه . والمعروف المروي أن شعار المسلمين يوم بدر : يا منصور أمت(1) ويوم بني الملوح :امت أمت(2) .

المعنى الثاني : اللفظ الذي يصاغ للتثقيف الجماهيري ، يعبر عن مفهوم أو هدف معين . وهو المعنى المفهوم في عصرنا الحاضر .

والشعار الوارد في هذه الروايات التي نقلناها ، إنما يراد بها المعنى الأول، لأنه المعنى الذي كان معروفاً في ذلك العصر . فأصحاب الإمام المهدي (ع) سيتخذون الشعار في الحرب مشابهاً لشعار رسول الله  (ص) :أمت أمت .

أما المطالبة بثأر الحسين (ع) ، فرواية البحار تدل على أنه شعار بالمعنى الأول ، وتدل الروايات التي بعدها أنه شعار بالمعنى الثاني ، بمعنى أنه يكون هدفاً معلناً ومفهوماً تثقيفياً ...ولا تنافي بين المعنين إذ من المحتمل استعمال هذا المفهوم على كلا الشكلين .

وعلى كلا الحالين ، فاستعماله واضح وباعتبار أن الإمام الحسين (ع) اشد القادة الإسلاميين مظلومية في الضمير المسلم بإجماع الأمة المسلمة بكل مذاهبها ، فاتخاذ الثأر شعاراً انطلاق من زاوية شديدة الأهمية من ناحية . ومتسالم على صحتها بين المسلمين من ناحية أخرى . وتحمل معنى وحدة الأهداف حركة الإمام الحسين وحركة الإمام المهدي (ع) . وهي محاولة إحقاق الحق وإزهاق الباطل .

هذا ، وبعض هذه الروايات ، صحيحة من  حيث السند ، فتكون قابلة للإثبات التاريخي ، في حدود منهجنا في هذا التاريخ .

الضمان الرابع : المميزات  الخاصة بالإمام المهدي (ع) .

من حسن قيادته وشجاعته ، واطلاعه على قوانين التاريخ ، وغير ذلك مما انتجه التخطيط الإلهي ودلت عليه الأخبار ، فتكون هذه المؤهلات بمجموعها من أكبر الضمانات لإنتصار حركته ونجاح ثورته ، وبالتالي في تحقيق الهدف الإلهي الأعلى لوجوده .

 

صفحة (357)
ـــــــــــــــــ

(1) انظر : وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي كتاب الجهاد. باب استحباب اتخاذ المسلمين شعاراً  ج2 ص487.

(2) المصدر والصفحة.
 

وينبغي أن ينفتح الحديث عن ذلك في عدة جهات :

الجهة الأولى : في مميزات الإمام المهدي (ع) ، كما ينتجه التخطيط العام السابق على الظهور .

وهذا ما لا ينبغي أن نطيل الحديث عنه بعد كل الذي قلناه في التاريخ  السابق  وهذا التاريخ ، من أثر الغيبة الكبرى وطول معاصرة الإمام المهدي (ع) للمجتمع البشري وحوادثه واحتكاكه بالأمة الإسلامية والبشرية عموماً ،واستشعار لألامها وآمالها ، وعمله في سبيل مصالحها ...أثره على تطور هذا الإمام القائد وتكامله من درجة العصمة إلى ما هو أعلى منها وأعمق بمراتب ، فإن الكمال غير متناهي الدرجات ويمكن للفرد أن يصعد في درجاته ما شاء له ربه وعمله . وقد برهنا على ذلك في تاريخ الغيبة الكبرى .(1)

وينتج من هذا التكامل التعمق في قابليته للقيادة العالمية ودقتها ، بحيث يمكنه التوصل إلى النتائج المطلوبة بشكل أسهل وأسرع واوسع . ويتمثل هذا التكامل في خطوات نذكر أهمها :

الخطوة الأولى :

قدرته الضخمة على تحمل الألم في سبيل الهدف ، مهما تعاظم الألم وتعددت التضحيات. بل أنه ليجده برداً وسلاماً وسعادة .إذا كان فيه نصر دينه وتحقيق هدفه وإرضاء ربه .

الخطوة الثانية : قوة إرادته وارتفاع معنوياته ، بشكل لا نظير له في التاريخ ....مهما بعد الهدف وتعقدت الوسيلة .

الخطوة الثالثة : إطلاعه على قوانين معينة للتاريخ والمجتمع وللنفس البشرية ، بشكل يفسح له فرصة التصرف في المجتمعات وسير التاريخ ، بطرق لم يسبق لأحد أن اطلع عليها .

فهذا وغيره ، يصنع منه القائد العظيم الذي يمكنه فتح الكرة الأرضية برمتها . وتنفيذ الغرض الإلهي الأقصى فيها .

الجهة الثانية : في مميزاته الشخصية ، كما دلت عليه الأخبار ، لنرى مقدار موافقتها لنتائج التخطيط العام التي عرفناها .

والأخبار التي نريد التعرض إليها عن هذه الجهة على ثلاثة أنواع : من حيث أنه تدل (أولاً) على مقدار عمره الظاهري عند ظهوره . وتدل (ثانياً) على صفاته الجسمية . وتدل (ثالثاً) على شجاعته وارتفاع معنوياته .

 

صفحة (358)
ـــــــــــــــــ

(1) ص504 وما بعدها . 


 

النوع الأول: الأخبار الدالة على مقدار عمره الظاهري عند ظهوره ، مع العلم أن عمره الواقعي ، بالفهم الإمامي للفكرة المهدوية وأكثر من ذلك بكثير .

أخرج ابن الصباغ في الفصول المهمة(1) عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله (ص)  – في حديث - :

المهدي من ولدي بن أربعين سنة ... الحديث .

وأخرج السفاريني في لوائح الأنوار البهية(2) عن أبي أمامة مرفوعاً:

المهدي من ولدي بن أربعين سنة ... الحديث .

واخرج السيوطي في الحاوي(3) عن نعيم بن حماد عن عبد الله بن الحارث وقال :

يخرج المهدي وهو ابن اربعين سنة .. الحديث .

وأخرج عنه عن محمد بن حمير – في حديث عن المهدي (ع) – قال:

يجيء من الحجاز حتى يستوي على منبر دمشق، وهو ابن ثمان عشرة سنة .

وأخرج عنه أيضاً عن علي بن أبي طالب – في حديث عن المهدي (ع) – قال :

يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين .

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(4)، بسنده إلى أبي الصلت الهروي قال :

قلت للرضا (ع) : ما علامة القائم (ع) منكم إذا خرج .قال:

علامته أن يكون شيخ السن ، شاب المنظر . حتى إن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها .وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي حتى يأتيه أجله .

وأخرج النعماني في الغيبة(5) بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) ، أنه قال:

لو قام القائم لأنكره  الناس، لأنه يرجع إليهم شابا موفقاً.


صفحة (359)
ـــــــــــــــــ

(1) الفصول المهمة ص217 .   (2) ص 70 ج2 .

(3) الحاوي ج2 ص147 وكذلك الخبرين اللذين بعده.
(4) المصدر المخطوط .       (5) ص99 وكذلك الخبر الذي بعده .