|
|||||
|
وترتب على هذا الإيمان امران مقترنان : الأمرالأول : شجاعتهم الموصوفة في الأخبار ، وستعرض لها في الجهة الآتية .فإنها الحقيقة شجاعة في تنفيذ أوامر الله وتطبق احكامه. الأمر الثاني: عبادتهم الموصوفة في الأخبار. وتهجدهم في الأسحار .. الأمران اللذان يعبر عنهما في الروايات "رهبان في الليل ليوث في النهار ". هم رهبان الليل ، من خشية الله مشفقون . فيهم رجال لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم . إن العبادة – بمعناها الخاص – صفة واضحة الدلالة على الإيمان ، وكلما ازداد الإيمان ازدادت العبادة ، فالفرد من هؤلاء ، لا يبالي بتعب النهار والجهد والجهاد الذي بذله فيه . ولن يمنعه ذلك من العبادة في الليل والتوجه إلى الرب العظيم بمزيد الصلاة والدعاء والتسبيح ، واستمداد العون منه والنصر . إنه الرب العظيم الذي يستقطب جهود الفرد في الليل والنهار . إلا أن العبادة على هذا الشكل ، مختصة ببعض أصحاب الإمام المهدي (ع) وليست عامة لهم أجمعين: "فيهم رجال لا ينامون ..." فإن الفرد منهم لو خلي وطبعه ، لتهجد بالليل وتعبد ، وقد كان لك على سلوكه قبل الظهور ، قبل أن يمارس الجهاد .ولكنه الآن بيذل الطاقة الكبيرة خلال الجهاد نهاراً ، ويحتاج إلى تجديد طاقة أخرى للغد ، إذن ، فينبغي أن يستريح في الليل بعض الشيء . ومن هنا لم يكن الكل ليقبلوا على عبادة الليل ، بل كان ذلك صفة البعض منهم .
صفحة (351) وإذا سوف نعرف في مستقبل هذا الفصل أن الشجاعة ظاهرة عامة لكل الجيش المهدوي ، ففي الإمكان أن نعرض هذه الأطروحة بوضوح ، : أن الخاصة المخلصين بالدرجة العليا ، هم الذين يقومون بالجهاد والعبادة معاً .. .فهم رهبان الليل وليوث النهار .وأما سائر الجيش فهم يقومون بالجهاد الواجب عليهم في الشريعة العادلة الكاملة ، ومن أجل اتعابهم يتركون المستحب وهو التهجد في الليل .ولا يناسب تعبهم البدني و درجة وعيهم الديني أن يجدوا النشاط الكافي للجمع بين العبادة والجهاد . ومن هنا ينقسم أصحاب الإمام المهدي (ع) إلى قسمين: متهجدين و غير متهجدين . كما انقسم أصحاب رسول الله (ص) كذلك ، كما قال الله تعالى : " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك " (1) والذين مع النبي (ص) يومذاك، هم جماعة المسلمين قبل الهجرة ، فلم يكونوا كلهم متهجدين . وإنما كان النبي (ص) مع طائفة منهم متهجداً ... بالرغم من أنهم جميعاً كانوا على مستوى الشجاعة في تحمل أذى قريش واضطهادهم للمسلمين ، كذلك سيكون الإمام المهدي(ع) معطائفة من أصحابه متهجداً ، بالرغم من أنهم جميعاً على مستوى الشجاعة في تحمل الجهاد وفتح العالم بالعدل ، لا تأخذهم في الله لومة لائم . هم الركن الشديد الذين تمناه لوط النبي (ع) ضد الكفار والمنحرفين من قومه. قلوبهم كزبر الحديد، وكالحجر ، وإن الواحد منهم تجرأ من ليث وأمضى من سنان ، ويعطي قوة أربعين رجلاً ، لو مروا بالجبال لتكدكت يتمنون أن يقتلوا في سبيل الله . إلى غير ذلك من الأوصاف . وقد تكرر الكثير منها في عدد من الروايات . وزبر الحديد، بضم الأول وفتح الثاني، جمع زبرة ، وهي القطعة منه . قال الله تعالى:"أتوني زبر الحديد"(2) أي قطع الحديد . والتشبيه للقلب بقطع الحديد ، وبالحجز لمزيد التأكيد على عظمة الشجاعة والجرأة ، وعدم التطرق الخوف والتلكؤ على القلب ، أعني وجدان الإنسان وفكره .
صفحة (352) وأوضح من تشبيهه بالسيف وبالسنان . فإنه ليس فقط مثل هذه الجمادات في الأثر بل هو أجرأ من ذلك ، وأمضى في العمل والنشاط . وأوضح منه قولهم (ع) : أنه يعطي الفرد منهم قوة أربعين رجلاً من غيرهم ، فأنه لا يراد بذلك التحديد بل التقريب ... ويكون المؤدى أن الأثر العملي الفعلي لنشاط الفرد من أصحاب الإمام المهدي (ع) يكون معاد للأثر الفعلي لنشاط الفرد من أصحاب الإمام المهدي (ع) يكون معاد للأثر الفعلي الناتج عن نشاط جماعة ضخمة من الرجال ، متكونة من أربعين فرداً على وجه التقريب . وأعتقد أننا ينبغي أن نفهم من الأربعين ، من يتصف بالجرأة والشجاعة بالمقدار الإعتيادي .وإلا فلا شك أن الفرد من أصحاب الإمام تزيد قيمته المعنوية على كل التافهين والمخنثين في العالم ، وإن وصل عدهم إلى عشرات الملايين . وبهذه الشجاعة النادرة وارتفاع المعنويات الضخم ، يمكنهم القيام بالمسؤولية العالمية ، من فتحه والمحافظة على عدله ، وتغيير مجرى التاريخ تماماً . ويكتبون بأيديهم على كل ظلم وفساد سطور الخيبة والزوال . وحصول التطور في معنويات الفرد وأعماله ، في ظروف معينة ، أمر واكبه علم النفس وأقره . وذلك عند وجود المناسبات العامة الهامة والمشاركات الجماعية المتحمسة لعمل من الأعمال ، فإنه يمكن للفرد في مثل ذلك أن يقوم بأضعاف ما يستطيع عمله في أحوله الإعتيادية ، ولا يحس بالتعب . وإنه ليعجب مما أنجزه حين يلتفت إلى ذلك بعد انتهائه . ومثاله : المظاهرة الصاخبة ضد شخص أو مؤسة أو شعار. فإنها تقوم بتحطيم كل ما يقع تحت يديها من أشياء وأشخاص بكل جرأة واندفاع . وكذلك يمكن التمثل له إسلامياً بالحج ، حيث نجد المؤمن منهمكاً في أداء شعائره بهمة وإخلاص لا يشعر بالتعب خلاله ، نعم قد يشعر به بعد الإنتهاء حين يوجد الرضا والراحة بأداء الواجب . وهي ظاهرة موصوفة من قبل الكثير من الحجاج . فإذا اقترن العمل بقابلية طبيعية للتحمس والإندفاع ، كما في فترة الشباب ... كانت النتائج أكثر وضوحاً وأبعد أثراً ، ولهذا وغيره ، كان أغلب أنصار الإمام المهدي (ع) من الشباب . فكيف وهم يواجهون الحق بصراحة ويدركونه بعمق ، ويؤمنون بقيادة القائد بإخلاص فمن الطبيعي جداً أن يكون للفرد منهم قوة جماعة ضخمة و يكون لنشاطه الأثر الكبير الذي لا تكاد تنتجه الجماعات .
صفحة (353) |
||||
|
|||||