|
|||||
|
القسم الأول : الضمانات الناتجة عن التخطيط العام السابق على الظهور : وهي ضمانات عديدة ، أكثرها منصوص في الروايات بوضوح : الضمان الأول : فشل الأنظمة السابقة على الظهور واتضاح زيفها وظلمها لدى الناس فقد قلنا في تاريخ الغيبة الكبرى(1) أن من جملة النتائج التي يتمخض عنها التخطيط العام السابق على الظهور، هو مرور كل المبادىء التي لنفسها حل مشاكل البشرية وتذليل مصاعبها ... بتجارب طويلة الأمد، ينكشف في نهاية المطاف زيفها .وجهات القصور والنقص والظلم فيها ... ذلك النقص الذي تتضمنه بالضرورة باعتبارها بنت العقل البشري القاصر المقيد في حدود العاطفة والزمان والمكان ، هذا النقص الذي لا يبرز للعيان بعد التجربة والإمتحان . وتمر المبادىء في خضم التجارب ، واحدة بعد الأخرى ، أمام الرأي العام العلمي ، وبمرأى ومسمع من الجميع : الصديق والعدو والموافق والمخالف ... حتى يظهر زيفها وظلمها ومخالفتها للمصالح العامة والخاصة. أما الجميع وهذا ما نعيشه فعلا بتاريخنا الحاضر ، الذي كشف لرأي العام العالمي عن عدد من المبادىء التي تدعي حل مشاكل العالم . وإذا تهاوت كل التجارب على صخرة الواقع ، يحدث عند البشر عموماً يأس نفسي قاتل من المبادىء المعروضة كلها وإحساس عميق بأنها غير قابلة لرفع المظالم عن كاهل البشرية ، وإبدالها بالسعادة والرفاه . لكن خيط الخير وومضة النور ، تبقى تعتمل في صدور الناس بشكل غامض عميق الغموض ، إن خيط الأمل باالسعادة سوف لن ينقطع . وينبعث أمل غامض بأن هناك مبدأ مجهولاً عادلاً يمكن أن يضمن للبشرية سعادتها ورفع المشاكل من ساحتها. ويزداد الأمل أصالة ووضوحاً كلما ازداد الإحساس بفشل المبادىء المعروضة في العالم .
صفحة (333) (1) ص288وما بعدها .
لا يختلف في هذا الأمل ، مؤمن عن كافر ... فإن الكل يحسون بالظلم وإن كانوا مشاركين في إيجاده ، وكلهم يشعرون بمرارته وقساوته ، كما أن الجميع سيعرفون فشل المبادىء المعروضة لحل مشاكلهم ، وأنها إنما أضافت إلى الظلم ظلماً ، وإلى المشاكل مشاكل. فتنعكس هذه الأحاسيس على شكل تصور لا شعوري مجمل يتضمن انبثاق المبدأ المؤهل لإيجاد السعادة في يوم من الأيام ، ويصبح البشرعلى العموم في حال انتظار غامض لهذا الغد السعيد المنشود ... تماماً كما ينتظر المؤمن ظهور المهدي (ع) انتظاراً واضحاً. وانطلاقاً من هذه الزاوية بالذات سوف يتلهف الناس ويلتفتون بكل إخلاص يملكونه ، ومن منهم لا يخلص لمصلحته وسعادته ؟! .. إلى أول صوت صريح يدعي وجود حل جديد لمشاكل البشرية وسبب جديد لنشر السعادة في ربوعها. سيقول المؤمن : هذا هو أملي الذي كنت أعرفه وانتظره بوعي ووضوح . وسيقول الكافر : هذه تجربة خيرة البوادر ، لعلها تنقذ البشرية وتحقق آمالها المنشود . وسيقول المهدي (ع) : أنا المصلح المنتظر . فيجيبه العالم : أنت المصلح المنتظر !.... وهذا ليس بدعاً من الأمر ...بعد أن اعتادت البشرية أن تستقبل كل مبدأ جديد يريد حل مشاكل العالم ، بصدر رحب وحسن نية ، لعله هو الذي يكون المبدأ المنشود الذي يحالفه التوفيق لإنجاز الغد السعيد ..وحين تبوء تجاربه بالفشل . تستقبل المبدأ الآخر بصدر رحب أيضاً . فما سيكون حالها حين تفشل كل التجارب المعروضة والأطروحات المحتملة إن يأسها من هذه الأطروحات سوف يتركز ، وأملها بالغد السعيد سوف يتضح ، وصدرها تجاه المبدأ الجديد والأطروحة الجديدة سيكون أرحب وحسب ظنها أكثر. تلك هي الأطروحة العادلة الكاملة التي سيجدها الناس لأول وهلة فوقاً شاسعة بينها وبين أي واحد من المبادىء السابقة الفاشلة ، الأمر الذي يجعل الأمل في نجاحها في إنجاز الغد السعيد المأمول ، واضحاً ومنطقياً أكثر من أي مبدأ آخر . ومن هنا ، حين يقول القائد المهدي (ع) أنا المصلح المنتظر ، سيجيبه العالم :أنت االمصلح المنتظر . ومن هنا يتولد الضمان الأول لإنتصار المهدي (ع) . وهذا ما أشارت إليه الأخبار التي سبق أن روينا قسماً منها في التاريخ السابق(1) .
(1) ص288 وما بعدها.
أخرج المفيد في الإرشاد (1) والطبرسي في الإعلام(2) عن عتبة عن أبيه قال: إذا قام القائم حكم بالعدل ... إلى أن قال : أن دولتنا آخر الدول . ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلها .لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا : إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو قوله تعالى : والعاقبة للمتقين . وأخرج الشيخ في الغيبة (3) بسنده عن أبي صادق عن أبي جعفر (ع) ، قال: دولتنا آخر الدول . وساق الحديث . أقول : وهذا الخبر قرينة على أن القائل في ذلك الخبر هو الإمام الباقر نفسه. وأخرج النعماني في الغيبة (4) بسنده عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (ع) ، انه قال: ما يكون هذا الأمر ، حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولوا من الناس . حتى لا يقول قائل : أنا لو ولينا لعدلنا ، ثم يقوم القائم بالحق والعدل . وهو صريح في مرور المبادىء التي تدعي حل مشاكل العالم ، بالتجارب واحدة بعد الأخرى عن طريق تسلمها زمام الحكم في منطقة من العالم صغيرة أو كبيرة .وستفشل لا محالة فيما تدعيه ، وسيسود بدل العدل المطلوب الظلم والفساد في مناطقها المحكومة لها .ومن هنا لا تستطيع أن تدعي عند قيام حكم المهدي (ع) ونظامه العادل : أننا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء" أو تقول : " أنا لو ولينا لعدلنا". لأن مثل هذا الإدعاء سوف يكون معرىً عن الصحة أمام الجميع ، بعد أن أثبتت التجارب بمرأى ومسمع من الرأي العالمي فشلها وزيفها. فيقال لهم بوضوح : انكم باشرتم الحكم ولم تسيروا بمثل هذه السيرة العادلة . ولو كان عندكم رأي او اتجاه أعمق مما مارستموه خلال حكمكم . لظهر يومئذ لا محالة . ويقال للرأي العام : إنكم جربتم هذه المبادىء وعشتم قساوتها وظلمها وأملتم زوالها وتبدلها إلى العدل . فها هو العدل قد جاء ليخرجكم من الظلمات إلى النور و يهديكم إلى الصراط المستقيم .
(1) ص344. (2) اعلام الورى ص432. (3) ص282. (4) ص146.
|
||||
|
|||||