فكل ما دل  على وجود الإمام المهدي (ع) وعلى ظهوره ، ينافي مع فكرة الإعجاز المطلق .إذن ، فالأطروحة الأولى قطعية البطلان.

الأطروحة الثانية : إن الله تعالى يريد نصر الإمام المهدي(ع) على حد إرادته لسائر الأشياء في الكون . بمعنى أن يوكل الله انتصاره إلى القوانين الطبيعية إيكالاً كاملاً ، بدون أي زيادة أو رتوش من تأييد أو تخطيط  .

وهده الأطروحة أيضاً لا يمكن الإلتزام بصدقها صدقاً كاملاً ، بالرغم من صحة القول : بأن السير على طبق القوانين الكونية هو الأسلوب(العام) في عمل المهدي (ع) غير أن التمحض في ذلك ونفي التأييد والتخطيط الإلهيين يواجه عدة اعتراضات.

الإعتراض الأول: أن التاريخ السابق على الظهور الذي دلنا عليه التخطيط الإلهي العام ، دال بوضوح على وجود العناية والتأييد الخاصين بالمهدي (ع ) ويومه الموعود .

فهناك التخطيط لإيجاد الشرط الأول من شرائط اليوم الموعود ، التي عرفناها في التاريخ السابق(1) وهو جود الأطروحة العادلة الكاملة معروفة بين الناس . وقد تم هذا التخطيط ووجدت الأطروحة متمثلة بالإسلام كما عرفنا هناك .

وهناك التخطيط لإيجاد الشرط الثالث ، وهو العدد الكافي لغزو العالم بالعدل ... الذي عرفنا أن التمحيص ومرور البشرية في ظروف الظلم والتعسف ردهاً طويلاً من الزمن من أهم أسبابه.

وهناك التخطيط لإيجاد الشرط الثاني هو صفة القيادة العالمية المثلى ، متمثلة بشخص الإمام المهدي (ع)... الأمر الذي عرفنا للغيبة الطويلة أعني لطول العمر دخلاً كبيراً في التسبب إليه .

وهناك التخطيط بإيجاد الغيبة نفسها ، التي كان لا بد أن يقترن طول العمر بها حفاظاً على القائد المذخور ليوم العدل الموعود.

وهناك علامات الظهور القريبة ، التي سمعناها في هذا التاريخ .وأهمها الخسف والخسوف والكسوف في غير أوانه . وهي علامات إعجازية .


 
صفحة (330)
ـــــــــــــــــ

(1) تاريخ الغيبو الكبرى : ص261 وما بعدها

 

وقد يخطر في الذهن  أن أكثر هذه الأمور التي عرضناها هي – في واقعها – أمور(طبيعية) تحدث طبقاً للقوانين العامة في الكون ،وليست إعجازية ، حتى (الغيبة) طبقاً للفهم الذي رجحناه في التاريخ السابق(1). وهو(أطروحة خفاء العنوان) . فلا تكون هذه الأمور دالة على وجود العناية والتأييد الإلهيين .

وجواب ذلك : أنها أمور (طبيعية) بكل تأكيد ، ولكنها تدل على العناية والتأييد ، بكل تأكيد أيضاً . فإن القوانين الكونية بوجودها الخالص ، لا تقتضي هذه الأمور اقتضاء ضرورياً ، لتكون هذه الأمور (طبيعية) خالصة . بل هي محتاجة إلى التخطيط  المتعمد المرتب .

وكان السبب في هذا التخطيط المتعمد كما عرفنا هناك ، كما سيأتي مزيد البرهان عليه في الكتاب القادم ... هو التسبيب لأجل إيجاد الغاية التي خلق الكون والبشرية خصوصاً من أجلها ، وهو الكمال الفائق أو العبادة الخالصة.

وإرادة الخالق وقدرته ، يمكنها أن تعطف اتجاه القوانين الكونية إلى حيث تريد . من دون أن تتغير قوانينها ودقتها . فقد عطفتها باتجاه إيجاد الغاية من الخلق .ومن هنا وجدت فكرة التخطيط المتعمد المرتب .

إذن ، فهذه الأمور (طبيعية) وهي في نفس الوقت تدل على العناية والتأييد الإلهيين .

الإعتراض الثاني: إن التاريخ اللاحق للظهور ، الذي دلت عليه الروايات التي سمعناها والتي سنسمعها ، يتضمن بوضوح العناية والتأييد الإلهيين .

فمن ذلك: اجتماع أصحاب الإمام المهدي (ع) عند أو لظهوره وتتابعهم في الوصول إليه بعد ذلك .وهم يصلون بطريق (طبيعي) ولكن تركيز عواطفهم باتجاه  نصر المهدي (ع) وتأييده ... لطف وعناية . ناتج عن التخطيط العام السابق على الظهور .

ومنه : كون المهدي (ع) منتصراً في كل حروبه ، ضد أي عدو عظيماً كان أو حقيراً . ومنه : ما سنسمعه من نصرة الملائكة للمهدي (ع) .وقد وردت في ذلك روايات عديدة سنرويها .


 
صفحة (331)
ـــــــــــــــــ

(1)انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص34 وما بعدها.

 

ومنه سيطرته على العالم  كله ، وهو هدف لم يتحقق على يد أي قائد سابق . ظالماً  كان أو عادلاً .

ومنه تجاوب (الطبيعة) مع العدل الساري في دولته ، بالمعنى الذي سنذكره .

وغير ذلك من النقاط التي تدل بوضوح على العناية والتأييد ، مما ذكرنا وسنذكر اثباتاته الكافية ..وبعضها ترقى إلى رتبة اليقين لكل مؤمن بفكرة المهدي أساساً.

ومعه فالأطروحة الثانية القائلة بإيكال أمر الإمام المهدي (ع) إلى القوانين الكونية إيكالاً كاملاً .. لا يمكن أن تكون صحيحة .

الأطروحة الثالثة : وهي المتعينة بعد نفي الأطروحتين السالفتين :

أن الإمام المهدي (ع) ينتصر طبقاً للطريق (الطبيعي) ولا يمكن أن تكون المعجزة سبباً قهرياً لإنتصاره . غير أن هذا الطريق (الطبيعي) مطعم بالتأييد الجزئي وغير القهري من قبل الله عز وجل . باعتبار أن دولة الإمام المهدي (ع) هي النتيجة الكبرى لوجود البشرية وجهودها وتضحياتها .

تماماً كما أيد الله نبيه (ص) .... وأوضح أشكال هذا التأييد الذي لا يمكن أن ينكره منكر ، هو وصول الجيش الإسلامي القليل العدد والعدة ، إلى مناطق شاسعة من الكرة الأرضية في أقل من نصف قرن ، ولازال الإسلام،  بالرغم من تكالب الجهود الدولية على طمسه والإجهاز عليه باقياً في توسع وانتشار .

وإن كان أبطأ من السابق بطبيعة الحال.

هذا ، ان صرفنا النظر عن انتصار النبي (ص) في كل حروبه ، وتأييده بالملائكة ، وبالقرآن الكريم .ولماذا نصرف النظر عن ذلك .؟!

وبعد هذا التمهيد ، لابد لنا من التعرض إلى صلب الموضوع في هذا الفصل وهو عرض أسباب أو ضمانات النصر للإمام المهدي (ع) ...تلك الضمانات التي تهيء له البيئة المناسبة لسرعة وسهولة سيطرته على العالم بالعدل ، بالرغم من أهمية هذه المهمة وجسامة مسؤولياتها .وأما كيفية وأساليب الخطط العسكرية و المفاهيم الفرية التي يستعملها المهدي (ع) خلال عمله، فهذا مما لا يمكن الإطلاع عليه إلا للفرد المعاصر لذلك الزمن ... سوى بعض الأمور القليلة التي سنذكرها بعد ذلك.

وهذه الضمانات يرتبط بعضها بالتخطيط العام للعصر السابق على الظهور بمعنى أنها من نتائجه بشكل وآخر .


 
صفحة (332)