الفصل الثالث

ضمانات انتصار المهدي (ع)
 

ونريد بهذه الأسباب التي تتوفر للإمام المهدي (ع) حين ظهوره ، فتوجب له تحقق النصر الأكيد السريع الذي يسيطر به على كل المجموعة البشرية .

وهي لا شك ضمانات أكيدة وشديدة وواسعة ، يوفرها الله تعالى للمهدي (ع) لكي تكون بمجموعها سبباً لإنجاز هذا القائد العظيم الهدف الأسمى من وجود البشرية .

تمهيد :

قد يخطر في الذهن : أنه لا حاجة إلى البحث عن الضمانات . وتفاصيلها ، بعد أن كنا نعلم أن إرادة الله هي الضمان الوحيد لنصر الإمام المهدي (ع) الذي جعله القائد الكبير لتطبيق الهدف الكبير والقيام بدولة الحق. في آخر الزمان.

وجواب ذلك : أن إرادة الله عز وجل هي الضمان الوحيد للنصر ، وهذا صحيح بكل تأكيد . ولا يوازيها أي عامل آخر .

ولكن هذا لا ينافي البحث عن الطريقة التي يريد بها الله تعالى نصر مهديه الموعود ، في حدود الإثباتات والأدلة المتوفرة .

فإن الأسلوب الذي يريده الله تعالى أسلوباً لإنتصار المهدي (ع) ، يحتمل فيه عدة أطروحات .

الأطروحة الأولى : الإنتصار بالطريقة الإعجازية الكاملة .

 

 صفحة (327)
 

وهي الأطروحة التي يذهب  إليها الفكر التقليدي لدى المسلمين ، ولذا استنتجوا : أن الإمام عليه السلام يحصل على الأسلحة بطريق المعجزة  ، وأن الأسلحة  لا تعمل ضد جيشه ، وأن الأعداء لا يمكنهم الكيد ضده، بمعنى أنهم سوف يصرفون ذهنياً عن استنتاج الطرق العسكرية أو الإجتماعية المؤثرة ضد الكيان المهدوي .

غير أننا نأسف لعدم إمكان الإلتزام بهذه الطروحة ، لأن الدليل الصحيح القطعي قائم على دحضها وتفنيدها ، فإنها تواجه عدة اعتراضات مهمة نذكر منها ما يلي :

الإعتراض الأول : لو كان الإعجاز طريقاً صحيحاً للدعوة الإلهية ، لأمكن للمهدي (ع) خلال غيبته الصغرى السيطرة  الكاملة على العالم ، بالرغم من جبروت العباسيين والفرس والروم يومئذ ، فيملؤها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً . بل لأمكن لنبي الإسلام (ص) – وهو خير البشر – تحقيق هذا الهدف ، ولما احتاج إلى بذل الجهود الماعفة ، في نشر الهدى والعدل . ومقاتلة المشركين . ولما انتهى الأمر إلى مقتل الإمام الحسين عليه السلام  واهله وأصحابه في سبيل الهدى والعدل وفي واقعة كربلاء الدامية المعروفة .

وإذا أمكن إنجاز الهدف البشري الكبير في وقت أسرع ، كان تأخيره ظلماً للبشر ، والظلم غير ممكن من الحكمة الإلهية الأزلية ، فيجب تقديم الموعد بمقدار الإمكان .

والسر الأساسي في هذا التأجيل ما عرضناه مفصلاً في التاريخ السابق(1). من أن طريق الدعوة الإلهية لا يقوم على المعجزات ، لأن الهدى والعدل الناتج عن المعجزات أقل واضحل  من الهدى والعدل الناتج عن طرقه الطبيعية . ومن هنا كانت كل نتيجة يمكن تحقيقها بالطرق الطبيعية ، فإنها لا توجد عن طريق المعجزة، بل يوكل أمرها إلى تلك الطرق مهما طال بها الزمن. لا يستثنى من ذلك إلا قيام المعجزة عند انحصار السبب بها انحصاراً مطلقاً .

وحيث كان الهدف البشري العام  الموعود ، يمكن إيجاده بالطرق الطبيعية وكانت هذه الطرق تحتاج في فعالياتها إلى طوال الزمان ، كما سبق أن عرضناه هناك . إذن فقد تعين تأجيل الموعد إلى حين وجوده بالسبب الطبيعي .

ولما عرفنا من ذلك ، بنحو القاعدة العامة ، أن طريق الدعوة الإلهية ، ليس بطريق إعجازي ، فهذا لا يختلف فيه الحال ما بين عصور ما قبل الظهور ، وعصور ما بعده . 

 

صفحة (328)
ـــــــــــــــــ
(1) 244 وما بعدها إلى عدة صفحات.
 

أو بتعبير آخرلا يختلف فيه الحال بين المقدمات البعيدة لإنجاز الهدف البشري أو المقدمات القريبة منه ، أو عصر ما بعد انجازه .فأن سنة الله تعالى في خلقه لا تختلف على كل حال .

ومن هنا لا يمكن الإلتزام بأن سيطرة المهدي (ع) على العالم تكون بطريق إعجازي مطلق .

الإعتراض الثاني : أن افتراض الإعجاز في انتصار الإمام المهدي (ع) على العالم ، مما ، تنفيه أعداد كبيرة من الأخبار :

أولاً : الأخبار الدالة على أن أصحابه الخاصة ثلاثمائة وثلاثة عشر، إذ مع المعجزة لا حاجة إلى أي واحد منهم.

ثانياً : الأخبار الدالة على أنه يخرج من مكة بعشرة ألآف ... إذ مع المعجزة أمكن أن يخرج بعشرة ملايين .

ثالثاً: الأخبار الدالة على سفره من مكة إلى الكوفة . إذ بالمعجزة يمكن الوصول إلى الكوفة فوراً.

رابعاً : الأخبار الدالة على إلقاء خطبته في مكة وإلقاء خطاب آخر بالكوفة ، إذ يمكن بالإعجاز إيصال هذه المعاني إلى أذهان الناس بدون كلام !

خامساً : الأخبار الدالة على مقاتلته للسفياني ، وقتله إياه ، إذ مع المعجزة تكون الحاجة إلى هذا الجهد منتفية.

سادساً : الأخبار الدالة على أن المهدي (ع)  يقتل المنحرفين بكثرة ، يضع السيف فيهم ثمانية أشهر بدون انقطاع . كما سيأتي . وهذا لا حاجة له مع إمكان إنجاز ذلك بالمعجزة بين عشية وضحاها أو طرفة عين .

بل أن نفس ظهور المهدي (ع) مما لا حاجة إليه ، لو آمنا بتأثير المعجزة إيماناً مطلقاً ، إذ يمكن له إصلاح العالم ، في حال غيبته ، بل في نفس وجود المهدي (ع) يبقى أمراً مستأنفاً ، إذ يمكن لله أن يصلح العالم بدون قائد ولا قيادة ولا حروب . قال الله تعالى : " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً "(1)

" قل فلله الحجة البالغة ، فلو شاء لهداكم أجمعين " (2)   .

 

 صفحة (329)
ـــــــــــــــــ

(1) يونس 10/99

(2) الأنعام 6/ 149