وأخرجه الطبرسي في إعلام الورى(1) .

القسم الرابع : سيطرته على أقاليم الأرض جميعاً .

أخرج النعماني  في الغيبة بسنده (2) عن ابي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي (ع) يقول :

لو قد خرج قائم آل محمد (ع) ... إلى أن قال  : يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم و السند والهند وكابل شاه والخزر .

واخرج الطبرسي(3) عن ابي بصير عن أبي جعفر (ع) في حديث عن القائم (ع) ، قال :

ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم ... الحديث .

ويندرج في هذا القسم ما ورد من توزيع المهدي (ع) أصحابه حكاماً على اقاليم الأرض ، كما سوف يأتي في الحديث عن الشكل الإداري للدولة العالمية .

وهذه الأخبار بأقسامها الأربعة متواترة قطعة الصدق بالنسبة إلى المطلوب وهو : عالمية الدولة المهدوية. وخاصة إذا التفتنا إلى أن نتيجة التخطيط الإلهي العام تقتضي ذلك بعينه ، كما سنذكر في الجهة الآتية .

وسنحاول فهم تفاصيل هذه الأخبار بعد الحديث عن التخطيط الإلهي.

الجهة الثانية : اقتضاء التخطيط الإلهي العام عالمية الدعوة المهدوية .

سبق ان ذكرنا في هذا التاريخ ، والذي قبله(4) انه يمكن أن ننطلق من قوله تعالى :

"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"(5)  .     

 

صفحة (320)

ـــــــــــــــــ

(1) ص413.   (2) ص122-123.

(3) ص432.   (4) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص34.

(5) 51/ 56.

 

وآيات كريمة اخرى في القرآن ، إلى الإستدلال على أن هدف وجود الخليقة عموماً إنما هو العبادة بمعناها الكامل الشامل الدقيق ، وهو تطبيق العدل الكامل على الفرد و المجموع ، المتمثل بتفاصيل أوامر الله ونواهيه وارشاداته بدقائقها على كل الخليقة : الإنس و الجن .

 وقد عرفنا ، فيما يخص الإنس أو البشرية ، أنها عاشت حقباً طويلاً من الدهر في التخطيط التربوي العام لها، لأجل تحقيق شرائط هذا الهدف  وإيجاد المستوى اللائق به في المجتمع البشري .

وكان القائد الكبير المذخور لتحقيق هذا الهدف الكبير هو الإمام المهدي الموعود عليه السلام .وهو الذي بشرت به الأديان ونادى به الإسلام . باعتبار أن كل الأديان السماوية بما فيها الإسلام ، إنما كانت واقعة في طريق ذلك الهدف الكبير ، ومن ثم لتحقيق شرائط قيادة المهدي (ع) ووجود دولته العالمية .

ومن ثم يتضح بجلاء ، ان عمل المهدي (ع) وقيادته وأهدافه في البشرية هي الأهداف التي أرادها الله تعالى لخليقته من حين وجودها ، وهي نتيجة جهود الأنبياء والأولياء والصالحين جميعاً . وهي تطبيق العدل الكامل والعبادة المحضة في ربوع المجتمع الإنساني (الإنس) كلهم ، على ما نطقت به الآية الكريمة .

ولا يمكن أن يكون هذا الهدف ضيقاً أو مقتصراً على قوم دون قوم أو مجتمع أو دولة دون دولة ...فإن نسبة البشرية إلى الخالق الحكيم وإلى الأهداف التي توخاها في خليقته ، نسبة واحدة متساوية ، إذن فالهدف يجب أن يكون عاماً شاملاً ، وبشرياً بكل ما في هذه الكلمة من سعة وشمول .

إذن ، فمن الطبيعي ان نفهم من الآية الكريمة نفسها كأن دولة الإمام المهدي (ع) ستكون شاملة للإنس كلهم وللمجتمع والبشرية كلها.

ولسنا الآن في حاجة إلى إعطاء التفاصيل لهذا التخطيط العام ، بعد الذي عرفه قارىء الموسوعة ، وما سوف يأتي في الكتاب الآتي تفصيل عميق لهذا التخطيط.

الجهة الثالثة : في إعطاء بعض الملحوظات التي تساعد على فهم الروايات السابقة .

الملحوظة الأولى : روايات القسم الأول التي سمعنا ، صريحة في عالمية الدولة المهدوية . كقوله: وليبلغن دين محمد (ص)  ما بلغ الليل والنهار ، حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض .

 

صفحة (321)

 

ولا تبقى قرية إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بكرة وعشياً .

والقرية هي كل منطقة مسكونة وقد ورد في الرواية طبقاً للفهم القرآني حين يقول :

"ذلك من أنباء الغيب نقصه عليك منها قائم وحصيد "(1)  .

والمقصود من الرواية :أن كل المدن على الإطلاق ، سوف ينادى فيها بالآذان الإسلامي المعهود .

وكذلك قوله : يبلغ سلطانه المشرق والمغرب . وقوله : لأملكنهم مشارق الأرض ومغاربها ....حتى يعلن دعوتي و يجمع الخلق على توحيدي . إلى غير ذلك .

الملحوظة الثانية : إن عقد المقارنة بين سعة ملك ذي القرنين ، وبين سعة حكم المهدي (ع) ، إنما هو باعتبار أن ذي القرنين أكبر قائد عرفه التاريخ القديم ، وسيكون المهدي أكبر قائد يعرفه التاريخ الحديث . وسيبقى الفرق بين هذين القائدين هو الفرق بين العهدين ،وما يحتويانه من إمكانيات معنوية ومادية .

وليس المراد بهذه المقارنة تشابه المقدار الذي يفتحه المهدي (ع)  مع المقدار الذي فتحه ذو القرنين ، ليخطر على البال : أن ملك المهدي لا يزيد على ذلك ولا يستوعب العالم كله ،لأن ذا القرنين لم يستوعب بملكه العالم كله على أي حال .

أن النصوص التي سمعناها في الملحوظة الأولى ، صريحة في عالمية الدولة العالمية ، مضافاً إلى اقتضاء التخطيط الإلهي العام لذلك ، فتكون قرينة على أن المراد من التشبيه هو مجرد السعة والشمول دون التحديد .

وليس في الرواية دلالة على الإنحصار . فإنها قالت : حتى لا يبقى منهلاً ولا موضعاً وطأه ذو القرنين إلا وطأه وهذا صادق مع استيعاب الحكم المهدوي للعالم ، فإن مناطق "ذي القرنين" تقع "ضمن الحكم المهدوي" بطبيعة الحال .

فالتحديد المروي يعني أن المهدي (ع) لا يطأ أي لا يفتح مقداراً أقل من ذلك ، بل يفتح هذا المقدار الذي فتحه ذو القرنين . وقد يزيد المهدي (ع) على ذلك بكثير . وليس في الرواية ما يدل على نفي ذلك ، فإذا دل على هذه الزيادة دليل كاف كالروايات من القسم الأول والتخطيط العام ،كانت عالمية الدولة المهدوية أمراً ثابتاً ، بل قطعياً .


صفحة (322)

ـــــــــــــــــ

(1) هود : 11 / 100