وهناك لإمكان اطلاعه على الأخبار ، عدة أطروحات :
الأطروحة الأولى :
أنه عليه السلام يعلم بالأخبار ويطلع على أفعال الناس ، عن طريق الإلهام الإلهي ،
أو الطريق الإعجازي الميتافيزيقي . ويؤيد ذلك ما دل على أن أعمال البشر أجمعين
برها وفاجرها تعرض على الإمام في كل يوم وليلة ، ليرى فيها رأيه . وهو قوله تعالى
: }فسيرى
الله عملكم ورسوله والمؤمنون| ، وهم الأئمة عليهم
السلام ، على ما نطقت به هذه الروايات(1) .
ويمكن أن يؤيد ذلك بمفهوم اجتماعي إسلامي ، وحاصله : ضرورة كون الإمام مؤيداً
بالإلهام ، وذلك انطلاقاً من ثلاث مقدمات :
المقدمة الأولى :
إن الله تعالى حين ينيط مهمة معينة بشخص ، لا بد أن يجعل فيه القابلية الشخصية
لتنفيذها والقيام بمتطلباتها . ومن الواضح عدم إمكان إيكال المهمة إلى شخص قاصر
عنها أو عاجز عن تنفيذها .
المقدمة الثانية :
إن الله تعالى أوكل إلى النبي (ص) أولاً وإلى خلفائه المعصومين ثانياً ، قيادة
العالم ، بحيث لو سمنحت الظروف لأي واحد منهم أن يقوم بالفتح العالمي الكامل لوجب
عليه ذلك ، ولباشر القيادة العالمية بنفسه .
إذن ، فكل واحد من المعصومين قائد عالمي معد – من الناحية النظرية على الأقل –
للقيام بمهمته الكبرى. ومعه لا بد – طبقاً للمقدمة الأولى – أن يكون لكل واحد
منهم القابليات الكافية للقيادة العالمية ، والقيام بمثل هذه المهمة العظيمة .
المقدمة الثالثة :
إن القيادة العالمية تتوقف عن الإلهام ، لا محالة . فإن قيادة العالم شيء في غاية
الدقة والعمق والتعقيد . ونحن نرى أن الدول لا زالت تحكم جزءاً من العالم بهيئات
كبيرة وأفراد كثيرة ، وتنظيمات دقيقة وقوانين صارمة ، ومع ذلك فهي كثيرة الفشل في
أعمالها وأقوالها . فكيف من يحاول قيادة العالم بمجموعه ، بحيث ترجع المقاليد
العامة للحكم إلى شخصه فقط ، من الناحية الفكرية والعملية معاً .
ومعه ، فهذه المهمة لا يمكن تنفيذها ، إلا بوجود الإلهام للقائد العالمي . وحيث
أن المهدي (ع) هو أحد الأئمة المعصومين ، طبقاً للمذهب الإمامي ، وقد ثبت
بالضرورة كونه هو القائد العالمي في يوم العدل الموعود طبقاً لضرورة الدين
الإسلامي ، بل كل الأديان السماوية ... إذن فيتعين كونه مؤيداً بالإلهام من قبل
الله عز وجل . وإذا كان مؤيداً بالإلهام من قبل الله عز وجل . وإذا كان مؤيداً
بالإلهام ، فلا غرابة من اطلاعه على أعمال العباد وكونه على مستوى الأحداث .
وهذه الأطروحة ، منسجمة مع كلتا الأطروحتين الرئيسيتين السابقتين .
ــــــــــــــــــ
(1) انظر هذه الأخبار في الكافي لثقة الإسلام الكليني، باب: عرض الأعمال على
النبي(ص) والأئمة عليهم السلام.
صفحة (150)
الأطروحة الثانية :
أننا إذا غضضنا النظر عن الأطروحة الأولى ، وقلنا أن الإمام مؤهل طبيعياً لقيادة
العالم من دون أي عنصر ميتافيزيقي . وكنا ملتزمين – كما هو الحق – بالأطروحة
الرئيسية الثانية : أطروحة خفاء العنوان ...
إذن يثبت أن المهدي (ع) يعيش في المجتمع بشخصيته الثانية ، يتصل بالناس ويتكلم
معهم ويفحص عن أخبارهم . من دون أن يخطر في بال أحد أنه هو المهدي المنتظر (ع) .
بل قد يستطيع أن يخطط لاستقصاء تفاصيل الأخبار من سائر بلدان العالم وزواياه !
الأطروحة الثالثة :
إذا غضضنا النظر عما في الأطروحة الأولى من ثبوت الإلهام للإمام ، وعما في
الأطروحة الثانية من معيشته وسكناه في صميم المجتمع . وأخذنا بما دل عليه هذا
الخطاب ,ودلت عليه رواية ابن مهزيار ،من بُعد المهدي (ع)، عن المجتمعات ،
وانفراده في السكنى بعيداً عن الناس .
إذن ، فمن الممكن للمهدي (ع) أن يعرف أخبار الناس عن طريق خاصته الذين يرونه
ويعرفونه ،وهم في كل جيل، ثلاثون أو أكثر ، فيخطط عن طريقهم للاطلاع على أخبار
أي مجتمع في العالم شاء .
وهذه الأطروحة تناسب مع كلا الأطروحتين الرئيسيتين . أما مناسبتها مع أطروحة خفاء
العنوان فواضحة ، إذ يفترض – بعد كل ما سلف – أن المهدي (ع) ظاهر بالشخص ولكنه
غير معروف الحقيقة ، وهو منعزل عن المجتمعات والجماعات ، لا يعرفه ولا يتصل به
إلا خاصته . ومعه فيمكن للمهدي (ع) الحصول على الأخبار عن طريق هؤلاء الخاصة ، أو
عن طريق وروده المجتمعات .
صفحة (151)
أحياناً بدون أن يكون ملفتاً للنظر أو مثيراً للانتباه ، ليستطلع من الأخبار ما
يشاء أو يحادث من يريد كما يريد ، ثم يرجع إلى مسكنه متى أراد .
وأما مناسبة هذه الأطروحة ، مع أطروحة خفاء الشخص ، فلعدم اختفائه الشخصي عن
خاصته ، وإن كان مختفياً عن سائر الناس . ومن الواضح أن خاصته غير مختفين عن
الناس ، فيكونون هم همزة الوصل بين الناس وبينه ، في نقل أخبارهم إليه ، ونقل
أخباره إليهم إذا لزم الأمر .
وعلى أي حال ، فكل واحدة من هذه الأطروحات الثلاث ، تبرهن إمكان أن يكون المهدي
(ع) حال غيبته على مستوى الأحداث الاجتماعية ومواكبتها خبراً خبراً . وللقارئ أن
يختار أياً من هذه الأطروحات شاء ، وإن كنت أعتقد بصعوبة التصديق بالأطروحة
الثالثة باستقلالها ، لابتنائها على تنازلات غير صحيحة ، وغض النظر عن أمور
واقعية .
النقطة الخامسة :
إن المهدي عليه السلام ، لمدى لطفه بنا ، وشعوره بالمسؤولية تجاهنا ،هو غير مهمل
لمراعاتنا ولا ناس لذكرنا، ولولا ذلك لنزل بناء الأواء – وهو الشر – واطلمنا
الأعداء ، أي استأصلونا وأبادونا . فجزاه الله عنا خير جزاء المحسنين .
فمن هنا يظهر بوضوح ، ما للمهدي عليه السلام من تأثير كبير في صلاح حال قواعده
الشعبية وراحتهم وأمانهم ، بالمقدار الممكن له في غيبته . بل أنهم لمدينون له
بالحياة ، إذ لولا أياديه الفاضلة ومساعيه الكاملة ، لما بقي لقواعده الشعبية
وجود ، ولأبيدوا عن آخرهم تحت ضربات الأعداء المهاجمين ، وما أكثرهم في كل جيل .
وهذا التأثير من قبل المهدي (ع) يعتبر من أهم مسؤولياته الإسلامية حال غيبته ،
كما عرفنا .
وهذا التأثير يكون واضحاً جداً بناء على الأخذ بأطروحة خفاء العنوان ، سواء قلنا
بأن المهدي (ع) يعيش في المجتمعات أو قلنا أنه يعيش خارجاً عنها ... إذ على أي
حال يستطيع القيام بالعمل المناسب عند الحاجة ، أما بنفسه أو بواسطة خاصته ،
بالشكل الذي يستطيع به أن يحول بين الشر وبين وقوعه .
أحياناً بدون أن يكون ملفتاً للنظر أو مثيراً للانتباه ، ليستطلع من الأخبار ما
يشاء أو يحادث من يريد كما يريد ، ثم يرجع إلى مسكنه متى أراد .
وأما مناسبة هذه الأطروحة ، مع أطروحة خفاء الشخص ، فلعدم اختفائه الشخصي عن
خاصته ، وإن كان مختفياً عن سائر الناس . ومن الواضح أن خاصته غير مختفين عن
الناس ، فيكونون هم همزة الوصل بين الناس وبينه ، في نقل أخبارهم إليه ، ونقل
أخباره إليهم إذا لزم الأمر .
وعلى أي حال ، فكل واحدة من هذه الأطروحات الثلاث ، تبرهن إمكان أن يكون المهدي
(ع) حال غيبته على مستوى الأحداث الاجتماعية ومواكبتها خبراً خبراً . وللقارئ أن
يختار أياً من هذه الأطروحات شاء ، وإن كنت أعتقد بصعوبة التصديق بالأطروحة
الثالثة باستقلالها ، لابتنائها على تنازلات غير صحيحة ، وغض النظر عن أمور
واقعية .
النقطة الخامسة :
إن المهدي عليه السلام ، لمدى لطفه بنا ، وشعوره بالمسؤولية تجاهنا ، هو غير مهمل
لمراعاتنا ولا ناس لذكرنا، ولولا ذلك لنزل بناء الأواء – وهو الشر – واطلمنا
الأعداء ، أي استأصلونا وأبادونا . فجزاه الله عنا خير جزاء المحسنين .
فمن هنا يظهر بوضوح ، ما للمهدي عليه السلام من تأثير كبير في صلاح حال قواعده
الشعبية وراحتهم وأمانهم ، بالمقدار الممكن له في غيبته . بل أنهم لمدينون له
بالحياة ، إذ لولا أياديه الفاضلة ومساعيه الكاملة ، لما بقي لقواعده الشعبية
وجود ، ولأبيدوا عن آخرهم تحت ضربات الأعداء المهاجمين ، وما أكثرهم في كل جيل .
وهذا التأثير من قبل المهدي (ع) يعتبر من أهم مسؤولياته الإسلامية حال غيبته ،
كما عرفنا .
وهذا التأثير يكون واضحاً جداً بناء على الأخذ بأطروحة خفاء العنوان ، سواء قلنا
بأن المهدي (ع) يعيش في المجتمعات أو قلنا أنه يعيش خارجاً عنها ... إذ على أي
حال يستطيع القيام بالعمل المناسب عند الحاجة ، أما بنفسه أو بواسطة خاصته ،
بالشكل الذي يستطيع به أن يحول بين الشر وبين وقوعه .
صفحة (152)
|