إلى اليوم الذي يتحقق فيه هذا الشرط مهما تمادى الزمن وطالت المدة . وليس لأحد أن يقترح تقديمه أو يعين تاريخه ، سوى الله عز وجل .

وقد حصل التأكيد على هذا المفهوم الصحيح الواعي من قبل المهدي (ع) ، على ملأ من الناس في رواية أرويها عن ابي دام ظله ، لم أجدها في المصادر المتوفرة . ومن هنا أجد من الضروري أن أروي تفاصيلها باختصار ، لكي يتضح تماماً المعنى المقصود من هذه الرواية .

وذلك : إن الناس في البحرين ، في بعض الأزمنة ، لمقدار إحساسهم بالظلم وتعسف الظالمين ... تمنوا ظهور إمامهم المهدي (ع) بالسيف ظهوراً عالمياً عاماً ، لكي يجتث أساس الظلم لا من بلادهم فحسب بل من العالم كله .

فاتفقوا على اختيار جماعة من أعاظمهم زهداً وورعاً وعلماً ووثاقة ، فاجتمع هؤلاء واختاروا ثلاثة منهم ، واجتمع هؤلاء واختاروا واحداً هو أفضلهم على الإطلاق ، ليكون هو واسطتهم في الطلب إلى المهدي بالظهور .

فخرج هذا الشخص المختار ، إلى الضواحي والصحراء ، وأخذ بالتعبد والتوسل إلى الله تعالى وإلى المهدي (ع) بأن يقوم بالسيف ويظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً . وقضى في ذلك ثلاثة أيام بلياليها .

فلما كانت الليلة الأخيرة ، أقبل شخص وعرفه بنفسه أنه هو المهدي المنتظر ، وقد جاء إجابة لطلبه . وسأله عن حاجته ، فأخبره الرجل بأن قواعده العبية ومواليه في أشد التلهف والانتظار إلى ظهوره وقيام نوره . فأوعز إليه المهدي (ع) أن يبكر في غد إلى مكان عام عينه له ، ويأخذ معه عدداً من الغنم في الطابق الثاني على السطح ، ويعلن في الناس أن المهدي (ع) سيأتي في ساعة معينة ، عليهم أن يجتمعوا في أرض ذلك المكان . وقال له المهدي (ع) أيضاً : أنني سأكون على السطح في ذلك الحين .

وامتثل الرجل هذا الأمر ، وحلت الساعة الموعودة ، وكان الناس متجمهرين في المكان المعين على الأرض، وكان المهدي (ع) مع هذا الرجل وغنمه على السطح .

صفحة (118)

وهنا ذكر المهدي (ع) اسم شخص وطلب من الرجل أن يطل على الجماهير ويأمره بالحضور . فامتثل الأمل وأطل على الجمع ونادى باسم ذلك الرجل ... فسمع الناس وصعد الرجل على السطح . وبمجرد وصوله أمر المهدي (ع) صاحبنا أن يذبح واحداً من غنمه قرب الميزاب ، فما رأى الناس إلا الدم ينزل من الميزاب بغزارة . فاعتقدوا جازمين بأن المهدي (ع) أمر بذبح هذا الرجل الذي ناداه.

ثم نادى المهدي (ع) بنفس الطريقة رجلاً آخر ، وكان أيضاً من الأخيار الورعين . فصعد مضحياً بنفسه واضعاً في ذهنه الذبح أمام الميزاب ، وبعد أن وصل إلى السطح نزل الدم من الميزاب . ثم نادى شخصاً ثالثاً ورابعاً . وهنا أصبح الناس يرفضون الصعود ، بعد أن تأكدوا أن كل من يصعد سيراق دمه من الميزاب . وأصبحوا يفضلون حياتهم على أمر إمامهم .

وهنا التفت المهدي (ع) إلى صاحبنا وأفهمه بأنه معذور في عدم الظهور ما دام الناس على هذا الحال .

فمن هنا نفهم بوضوح ، كيف أن المهدي (ع) استهدف إفهام الأمة بشكل عملي غير قابل للشلك ، بأنها ليست على المستوى المطلوب من التضحية والشعور بالمسؤولية الإسلامية . وكشف أمامها واقعها بنحو أحسه كل فرد في نفسه وأنه على غير استعداد لإطاعة أمر إمامه (ع) إذا كان مستلزماً لإراقة دمه . وإذا كانت الأمة على هذا المستوى الوضيع لم يمكنها بحال أن تتكفل القيام بمهمام اليوم الموعود بقيادة المهدي (ع) .

وستأتي البرهنة التامة على صحة هذا الشرط ، من شرائط الظهور ، في القسم الثالث من هذا الكتاب .

الهدف الرابع :

إرجاعه عليه السلام للحجر الأسود إلى مكانه من الكعبة .

فأن القرامطة بعد أن قلعوه أثناء هجومهم على مكة المكرمة عام 317 للهجرة(1) ، ونقلوه إلى هجر ، وكان ذلك إبان الغيبة الصغرى . 
ــــــــــــــــــ
(1) الكامل ، جـ 6 ، ص 204 .

صفحة (119)

كما عرفنا من تاريخها(1) بقي  الحجر لديهم ثلاثين عاماً(2) أو يزيد . وأرجعوه إلى مكة عام 339(3) أو عام 337(4) كان  المهدي (ع) هو الذي وضعه في مكانه وأقره على وضعه السابق ، كما ورد في أخبارنا (5) .

قال الراوي : لما وصلت إلى بغداد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة عزمت على الحج وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجز في مكانه إلى البيت . كان أكثر همي الظفر بمن ينصب الحجز ، لأنه يمضي في أنباء الكتب قصة أخذه ، فأنه لا يضعه في مكانه إلا الحجة في الزمان.كما في زمان الحجاج وضعه زين العابين عليه السلام في مكانه (6).

وأوضح الرواي بأن الناس فشلوا في وضعه في محله ، زكلما وضعه انسان اضطرب الحجز ولم يستقم . فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله فوضعه في مكانه ، قاستقام كأنه لم يزل عنه . وعلت لذلك الأصوات .

ثم أن المهدي عليه السلام ، خرج من المسجد ولاحقه الرواي طالباً منه حاجة, فقضاها له ، وأقام الدلالة ساعتئذ على حقيقته.

وهذه خقيقة تمثل فجوة تاريخية، سكت عنها التاريخ العام، وقد ملأتها أخبارنا الخاصة بكل وضوح . وهو أمر لا يمكن نفيه إلا بنفي فكرة غيبة المهدي عليه السلام من أصلها . وهو خلاف ما هو المفروض في هذا التاريخ .
ــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الغيبة الصغرى ، ص 356 .  (2) تاريخ الشعوب الإسلامية ، جـ 2 ، ص 75 .   (3) الكامل ، جـ 6 ، ص 235 .
(4) الخرايج والجرايح ، ص 72 .
 (5) المصدر والصفحة وانظر منتخب الأثر ، ص 406 .
(6) انظر قصة وضعه (ع) للحجر الأسود في الخرايج والجرايح ، ص 29 .

صفحة (120)

نعم ، يبقى في الذهن سؤالان حول ذلك لا بد من عرضهما ومحاولة الجواب عليهما :

السؤال الأول :

أنه من أين ثبت أن الحجر لأسود لا يضعه في محله إلا الحجة في الزمان، كما ادعاه الراوي ؟

والواقع أننا لم نجد رواية تتكفل هذا المدلول الواسع . ولكننا إذا استعرضنا التاريخ المعروف ، لم نجد واضعاً للحجر إلا من الأنبياء والأولياء . فإبراهيم عليه السلام هو الذي وضع الحجر حين بنىالكعبة ووضع أسس البيت العتيق.ورسول الله صلى اله عليه وآله هو الذي وضع الحجر قبل نبوته حين بنيت الكعبة في الجاهلية واختلفت القبائل فيمن يضع الحجر والحادثة معروفة ، ومروية في التاريخ (1) .وحين أخرب الحجاج بن يوسف الكعبة المقدسة في صرغه مع عبد الله بن الزبير 000 أعادوا بناءها من جديد ، وكان واضع الحجر هو الإمام زين العابدين (2) .

وهذا الراوي في الرواية التي نناقشها ، ينسب وجو مثل هذه القاعدة العامة ، أعني أن الحجر الأسود لا يضعه إلا الحجة في الزمان 000 ينسبها إلى الكتب ، وظاهره كونها مسلمة الصحة ، فلعله كانت هناك ادلة أكثر واوثق قد بادت خلال التاريخ والله العالم بحقائق الأمور .

السؤال الثاني :

لو ثبتت هذه الفكرة كقاعدة عامة ، وصادق أن زال الحجز الأسود من مكانه في بعض عصور الغيبة الكبرى، فكيف يتسنى للمهدي (ع) إرجاعه ، وهو حجة الزمان، إلا بانكشاف أمره وارتفاع غيبته واطلاع الناس على شخصه .

والجواب على ذلك : أن أهم ما يمكن أن يكون ساتراً لشأنه وصائناً لسره حين وضعه الحجز، هو عدم معروفية هذه الفكرة لدى الناس وعدم اشتهارها بينهم، بل وعدم قيام دليل واضح عليها، كما سمعنا. ولغله من أجل ذلك لم يصدر في الشريعة الإسلامية مثل هذا الدليل الواضح على ذلك. ولعلك لاحظت من خلال هذه الرواية التي نناقشها أن الذي عرف هذه الفكرة هو واحد من الآلاف المحتشدة بما فيهم العلماء والكبراء. ومن هنا استطاع أن يشخص في واضع الحجر كونه هو المهدي (ع) .
ــــــــــــــــــ
(1) انظر- مثلا – الكامل ، جـ 2، ص 29.  (2) انظر الخرايج والجرايح – ص 29 .  

صفحة (121)

ومعه، فانطلاقاً مع خط الأطروحة الثانية : أطروحة خفاء العنوان ، يمكن أن نفترض أن الإمام عليه السلام في عصر غيبته ، يضع الحجر الأسود مع عمال البناء، ويكون آخر من يثبته ،ويبقى مجهول الحقيقة على طول الخط ، بل قد يكون معروفاً بشخصيته الثانية باسم آخر كفرد عادي في المجتمع . فيرى الرائي أن هذه الفكرة العامة قد انخرمت ، في حين أنه ليس واضع الحجر إلا ( المهدي) لو انكشف الستر وظهرت الحقيقة .

الأمر السادس :

في الأهداف والمقاصد الخاصة ، التي يقصدها الإمام (ع) خلال مقابلاته. مما يمت بالنفع – بشكل رئيسي ومباشر- إلى شخص معين أو أشخاص قلائل . سواء كان له – بشكل غير مباشر-نفع اجتماعي ملحوظ أو لم يكن .

والأهداف المندرجة تحت هذا العنوان متعددة وأمثلتها كثيرة ، نكتفي لكل منها بمثال واحد.

الهدف الأول :

هداية الشخص وتقويمه ، وضمه في النتيجة إلى الشعب المسلم الذي يؤمن بالمهدي(ع) ... بعد إجراز نيته والعزم على إتباع الهدى إن ظهر لديه .

مثاله: ذلك الشخص الذي ذهب لشراء السمن من الاعراب في أطراف الخلة ، فتخلف عن القافله وتاه في الصحراء. فكان مما قال في نفسه: أنني كنت أسمع من أمي أنها تقول: إن لنا إماماً حياً يكنى بأبي صالح يرشد التائهين ويغيث الملهوفين ويعين الضعفاء.

ثم أنه عاهد الله تعالى أنه إن استغاث به وأنجاه ، أن يتبع دين أمه . قال الراوي: ثم أنني ناديته واستغثت به . وفجأة رأيت شخصاَ يسير معي وعلى رأسه عمامة خضراء لونها كلون هذا   - وأشار إلى الحشيش  المزروع على النهر ... وأشار لي إلى الطريق . وقال لي : أنك ستصل بسرعة إلى قرية كل أهلها من الشيعة . فقلت له : يا سيدي ألا تأتي معي إلى هذه القرية .

صفحة (122)

فقال  : لا ، لأن ألف شخص في أطراف البلاد يستغيثون بي ، ولا بد أن أنجيهم(1) .

الهدف الثاني :

انتصاره لأحد طرفي الجدل عند وقوع الجدل بين اثنين ، واقتضاء المصحلة الانتصار لأحد الطرفين .

مثاله : أن صديقين مسلمين مختلفين في المذهب ، وقع بينهما جدل مذهبي طويل ، في أحد المساجد بهمدان . ولم يستطع أحدهما أن يقنع الآخر مدعاه . فاقترح أحدهما أن يجعلا بينهما أول رجل يدخل المسجد حكماً . وخاف الآخر من هذا الاقتراح ، لأن أهل همدان كانوا على مذهب صاحبه ، لكنه قبل بالشرط تحت ضغط المجادلة والمباحثة .

وبمجرد أن قررا هذا الشرط ، دخل المسجد شاب تظهر على سيماه آثار الدلالة والنجابة ،وتظهر عليه معالم السفر. فتقدم إليه صاحب الاقتراح وأظهر له مذهبه ، واستدل عيه بعدة أدلة . وأقسم عليه بقسم مؤكد أن يظهر عقيدته بالنحو الذي عليه الواقع . فقرأ هذا الشاب بيتين من الشعر أظهر فيهما عقيدته بنحو لا يقبل الشك ، ثم غاب عن الأنظار . وكانت هذه هي المعجزة التي تثبت حقيقته وصحة مذهبه أيضاً. فاندهش الآخر من فصاحته وبلاغته ، واعتنق المذهب الذي انتصر له المهدي (ع)(2) .

الهدف الثالث :

حله لبعض المسائل المعضلة التي قد يشكل حلها على فطاحل العلماء .

مثاله : أن المحقق الأردبيلي ، وهو من أعظم العلماء تحقيقاً وورعاً حتى لقب بالمقدس الأردبيلي أيضاً .. أشكلت عليه مسائل ، فخرج في جوف الليل سائراً من النجف إلى مسجد الكوفة حيث لاقى المهدي (ع) في محراب أمير المؤمنين عليه السلام هناك ، وسأله عن مسائلة وعرف جوابها ، وعاد(3) .
ــــــــــــــــــ
(1) انظر النجم الثاقب ، ص 346 .  (2) المصدر ، ص 331 .  
(3) المصدر ، ص 334 ومنتهي الآمال ، جـ 2 ، ص 319 .

صفحة (123)

الهدف الرابع :

أخباره ببعض الأخبار السياسية المهمة في زمانها ، قبل أن يعرفها الناس ، نتيجة لضعف وسائل الإعلام في ذلك العصر .

مثاله : أن المهدي (ع) دخل في مجلس درس السيد مهي القزويني في الحلة ، فلم يعرفوه ، بالطبع ، واستمع إلى درسه . وحين انتهى الدرس ، سأله السيد المشار إليه : من أين جئت إلى الحلة . فقال : من بلد السليمانية . فقال السيد : منذ كم خرجت منها . فقال : في اليوم السابق . ولم أخرج منها حتى دخل فيها نجيب باشا فاتحاً ، وقد أخذها بقوة السيف . وأزال عنها أحمد باشا الباباني الذي كان متمرداً . وأجلس محله أخاه عبدالله باشا . وكان أحمد باشا المذكور قد خرج على طاعة الدولة العثمانية ، وادعى السلطنة لنفسه .

قال السيد : وكان والدي في السليمانية ، فبقيت متفكراً . ولم يكن قد وصل خبر هذا الفتح إلى حكام الحلة . ولم يحل في خاطري أن أسأله أنك كيف قلت : أني وصلت إلى الحلة وخرجت بالأمس من السليمانية . على حين أن بين السليمانية والحلة ، أكثر من عشرة أيام للراكب المجد .

قال : ثم ضبطنا تاريخ ذلك اليوم الذي أخبر فيه بفتح السليمانية ، ثم وصلت أنباء هذه البشارة إلى الحلة بعد عشرة أيام من ذلك اليوم وأعلنها حكام الحلة ،وحيوا الخبر بضربات المدفع ،كما كانوا يعملون عادة في أخبار الفتوحات(1).

أقول : من هنا نفهم أهمية هذا الخبر لدى سلطات العثمانيين في الحلة . ونعرف المصلحة المهمة التي تترتب على إيصال المهدي (ع) لهذا الخبر خلال مدة كانت في ذلك العصر إعجازية .

الهدف الخامس :

نصحه للآخرين ورفعه لمعنوياتهم ، وتوجيههم التوجيه الصالح ، بعد أن كانوا قد مروا في بعض الحالات الصعبة والمشكلات المحزنة بالنسبة إليهم .
ــــــــــــــــــ
(1) النجم الثاقب ، ص 367 وما بعدها .

صفحة (124)