كما أن واسطة نقله قد تكون هي الجمل في عدد من المرات(9)
كما قد تكون
هي الفرس(1) وقد يكون هو الحمار(2)، كما قد يواكب الرائي
ماشياً(3) وقد لا تحتاج المقابلة إلى سير وانتقال(4) .
كما قد يأتي إلى المقابلة ، فارساً حاملاً رمحاً عند الحاجة(5) ، كما
قد يبدو متكلماً بلهجة البدو مستعملاً نفس كلماتهم(6)
. وثالثة يبدو
متكلماً بلهجة اللبنانيين(7)
ورابعة باللغة الفارسية(8) .
وقد نعرف ، سيراً مع الأطروحة الثانية : أطروحة خفاء العنوان : أن الأزياء
والهيئات التي يقابل بها المهدي (ع) من يريد إخفاء حقيقته عليه أثناء المقابلة
... ليس شيء منها هو الذي يكون عليه في حياته الاعتيادية بشخصيته الثانية ، لوضوح
وجود احتمال كبير في انكشاف حقيقته ، لو ظهر لأحدهم في نفس المجتمع الذي يعيش فيه
. إذن فلا بد للمهدي (ع) أن يخطط للمقابلة بابدال زيه لا محالة ، قبلها ، ضماناً
على الحفاظ على سره وخفاء عنوانه .
الأسلوب الثاني :
إقامته للمعجزة التي تكون دالة على حقيقته ، بنحو لا تكاد تكون ملفتة للنظر في
أثناء المقابلة ، بل لا يكاد يعرف الرائي أنها معجزة أصلاً إلا بعد الفراق ...
حين يستذكرها ويحسب حسابها فيعرف أن ذلك العمل لا يمكن أن يقام به إلا بنحو
إعجازي .
ــــــــــــــــــ
(1) المصدر نفسه ، ص 357 .
(2)
المصدر نفسه ، ص 343 .
(3)
المصدر نفسه ، ص 280 .
(4)
المصدر نفسه ، ص 228 .
(5) المصدر ، ص 370 .
(6)
المصدر ، ص 358 .
(7)
المصدر ، ص 235 .
(8)
المصدر ، ص 344 .(9)
انظر – مثلاً – المصدر السابق ، ص 342
صفحة (114)
ويتجلى ذلك بوضوح في عدد من الروايات ، بقطع المسافة الطويلة بزمان قصير ، المسمى
بطيّ الأرض براً أحياناً وبحراً أخرى . ومن المعلوم أن حساب طول المسافة إنما
يكون بعد قطعها . ولعل أوضح الروايات في ذلك ، ما فهمه الرواي بعد فراق المهدي
(ع) من أن الطريق الذي مشى فيه في زمان قصير نسبياً ، لا يمكن لأحد أن يسير فيه
إلا بأضعاف تلك المدة ، ومن المتعذر أن ينجو أحد من السباع والوحوش في ذلك الطريق
، ولكنه نجا منها ووصل في زمان قليل(1) .
الأسلوب الثالث :
ابتعاده عن الرائي في أثناء الحادثة ، وقبل انتهاء حاجته ، وإيكال إنهائها إلى
غيره ... هو أما نفس صاحب الحاجة كما في بعض المقابلات(2) وقد يكون هو
خادم الإمام عليه السلام(3) ، وقد يكون هو شخص آخر عابر للطريق(4).
الأسلوب الرابع :
تجنب كل ما من شأنه إلفات النظر إلى حقيقته ، كالإشارة إلى عنوانه صراحة أو كناية
، أو إقامته لمعجزة كبيرة واضحة ملفتة للنظر ، كما هو واضح من عدد من روايات
المقابلات . بل قد يتجنب الجواب لو سئل عن اسمه ومكانه ، ولا يجيب بما يدل على
حقيقته .
الأسلوب الخامس :
وقوع الرائي والرائين أو إيقاعهم ، في ظروف وقتية خاصة ، بحيث يرتج عليه باب
السؤال عن حقيقة المهدي واسمه وبلدته . وهذا واضح من عدد من الروايات ، فإن
الرائي قد يكون مهتماً بحاجته جداً(5) أو مذهولاً نتيجة لالتفاته إلى
معجزة واضحة أوجدها المهدي (ع)(6)، أو مشغولاً بنفسه كالصلاة أو المرض
أو ضيق البال ونحو ذلك.
ولا يخفي أن نفس تلك الغفلة التامة التي يكون بها الناس تجاه رؤية المهدي (ع) ،
تلك الغفلة التي لا يمكن ارتفاعها إلا تحت تأثير قوي ... هي من أكبر الظروف ، بل
أكبرها على الاطلاق ، مما يقتضي عدم معرفة الرائي بالمهدي (ع) في أثناء المقابلة
... إلا بعد أن يحسب حسابه بعد الفراق .
ــــــــــــــــــ
(1) المصدر ، ص 239 .
(2)
المصدر ، ص 238 .
(3)
المصدر ، ص 306 .
(4) المصدر ، ص 241 .
(5) المصدر ، ص 242 .
(6) المصدر ، ص 282 .
صفحة (115)
فهذه هي الأساليب العامة للتخطيط الذي يتخذ المهدي (ع) بعضها . حينما لا يجد من
المصلحة معرفته في أثناء مقابلته . وهناك بعض الأساليب الخاصة المبعثرة في
الروايات ، مما لا يمكن أدراجه تحت ضابط عام، ويطول بنا المقام في تعدادها .
الأمر الخامس :
في الأغراض والمقاصد العامة التي يقصدها المهدي (ع) من عمله خلال المقابلة .
وتؤجل التعرض للمقاصد الخاصة إلى الأمر السادس الآتي .
والمقصود من الأغراض العامة ، ما يكون مستهدفاً لأثر إسلامي اجتماعي أكبر من
الأفراد وأوسع . وهو الذي قلنا أنه قليل التحقق بالنسبة إلى العمل الفردي الخاص ،
وذكرنا السبب في ذلك .
وستكون الفرصة خلال هذ الأمر الخامس وما بعده مفتوحة للاطلاع المختصر على تفاصيل
بعض المقابلات، بالشكل الذي يناسب المقام . ولا نكون مسؤولين عن سرد القصص
بتفاصيلها فليرجع فيها القارئ إلى مصادرها .
وتنقسم الأغراض والأهداف العامة في أعمال الإمام المهدي (ع) في غيبته الكبرى ،
إلى عدة أقسام :
الهدف الأول :
إنقاذ الشعب المسلم من براثن تعسف وظلم بعض حكامه المنحرفين ، وخاصة فيما يعود
إلى قواعده الشعبية من الخير والسلامة .
فمن ذلك ما قام به الإمام المهدي من إنقاذ شعبه في البحرين ، من تعسف حاكميه
الذين تنص الرواية على كونهم من عملاء الاستعمار ومن المنصوبين من قبل
المستعمرين(1) .
ــــــــــــــــــ
(1) انظر تفاصيل هذه الحادثة في النجم الثاقب ، ص 314 وما بعدها . وفي البحار ،
جـ 13 ، وص 149 .
وفي منتهي الأمال ، جـ 2 ، ص 316 وما بعدها .
صفحة (116)
حيث كان للوزير في تلك البلاد ، وهو بمنزلة رئيس الوزراء في عالم اليوم ... مكيدة
كبيرة كادت أن تؤدي إلى إرهاب القواعد الشعبية للإمام المهدي (ع) إرهاباً غريباً
بمعاملتهم معاملة الكفار الحربيين من أهل الكتاب ... أما بأن يدفعوا الجزية عن
يدٍ وهم صاغرون ، أو أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وأطفالهم . وقد كان للإمام
المهدي (ع) اليد الطولى في كشف هذه المكيدة ودفع هذا الشر المستطير .
الهدف الثاني :
إنقاذ الشعب المسلم من براثن الأشقياء والمعتدين ، وعصابات اللصوص المانعين عن
الأعمال الإسلامية الخيِّرة .
فمن ذلك(1) : عمل الكبير الذي قام به المهدي عليه السلام من فتح
الطريق إلى كربلاء المقدسة ، أمام زوار جده الإمام الحسين عليه السلام ، في النصف
من شعبان .
وكانت عشيرة "عنيزة" تترصد لكل داخل إلى كربلاء وخارج منها ، وتتعهده بالسلب
والنهب ، فكان الطريق إليها موصداً يخافه الناس . فلولا قيادة المهدي (ع)
للزائرين في الطريق إلى كربلاء وتهديده لعشيرة عنيزة بالموت والدمار إذا حاولت
الاعتداء ، لامتنع الناس عن الذهاب إلى زيارة الإمام سيد شباب أهل الجنة عليه
السلام ، ولتعطل هذا الشعار الإسلامي الكبيرة . فمرحى للألطاف الكبرى التي يسبغها
المهدي (ع) على أمته .
وكان ذلك خلال حكم الدولة العثمانية للعراق . وكان من قوادهم يومئذ : كنج محمد
آغا وصفر آغا ... كما تنص الرواية على ذلك ، ولكنها – مع الأسف – تهمل التعرض إلى
التاريخ المحدد للحوادث .
إلفات نظر الآخرين إلى عدم تحقق شروط الظهور الموعود . والتأكيد على أن الأمة لم
تبلغ إلى المستوى المطلوب من الوعي والشعور بالمسؤولية الذي تستطيع معه أن تحمل
عاتقها الآثار الكبرى في اليوم الموعود . ومعه فلا بد من أن يتأجل الظهور
حيث الدلالة على قيام المهدي بوظيفته الاسلامية في تلك البلاد . على ما
سنسمع فيما يلي من البحث مفصلاً .
ـــــــــــــــــ
(1) راجع تفصيل ذلك في النجم الثاقب ، ص 370 ومنتهى الأمال ، جـ 2 ، ص 326 .
صفحة (117)
|