مثاله : ما قاله بعض الرواة من مقابلته للمهدي (ع) في بعض طرقات الحلة – وقد عرف
حقيقته بعد ذلك
– ، فسلم عليه فرد عليه السلام ، وقال له فيما قال : لا تغتم بما ورد عليك من
الخسران وذهاب المال في هذا العام . لأنك شخص يريد أن يمتحنك الله تعالى بالمال ،
فرآك تؤدي الحق ، وما هو الواجب عليك من الحج . وأما المال هو عرض زائل يأتي
ويذهب .
قال الراوي : وكنت قد خسرت في هذا العام خسراناً لم يطلع عليه أحد ، وسترته خوفاً
من شهرة الانكسار الموجبة لتلف التجارة . فاغتممت في نفسي ، وقلت : سبحان الله ،
شاع خبر انكساري بين الناس حتى وصل إلى الغرباء . ولكنني قلت في جوابه : الحمد
لله على كل حال .
فقال : إن ما فاتك من المال سوف يعود عليك بسرعة بعد مدة ، وتعود إلى حالك الأول
، وستؤدي ديونك . قال الراوي : فسكت مفكراً في كلامه(1) .. إلى آخر
الحديث .
الهدف السادس :
مساعدته المالية للآخرين :
مثاله : أن جماعة من أهل البحرين عزموا على ضيافة جماعة من المؤمنين ، بشكل
متسلسل في كل مرة عند واحد منهم . وساروا في الضيافة ، حتى وصلت النوبة على أحدهم
، ولم يكن لديه شيء . فركبه من ذلك حزن وغم شديد ، فخرج من أحزانه إلى الصحراء في
بعض الليالي ، فرأى شخصاً ... حتى ما إذا وصل إليه قال له : اذهب إلى التاجر
الفلاني – وسماه - ، وقل له : يقول لك محمد بن الحسن : ادفع لي الاثنا عشر
اشرفياً التي كنت نذرتها لنا . ثم اقبض المال منه واصرفه في ضيافتك .
ــــــــــــــــــ
(1) المصدر نفسه ، ص 366 وما بعدها .
صفحة (125)
فذهب ذلك الرجل إلى ذلك التاجر ، وبلغ الرسالة عن ذلك الشخص . فقال له التاجر :
أقال لك محمد بن الحسن ، بنفسه . فقال البحراني : نعم . فقال التاجر : وهل عرفته
؟ قال : لا . فقال : ذاك صاحب الزمان عليه السلام ، وكنت
نذرت هذا المال له . ثم أنه أكرم هذا البحراني وأعطاه المبلغ وطلب منه الدعاء(1)
الخ الحديث .
الهدف السابع :
شفاؤه لأمراض مزمنة بعد أعجز عنها الأطباء ، وأخذت من صاحبها مأخذها العظيم .
مثاله : ما روي(2) عن السيد باقي عطوة العلوي الحسني: أن أباه عطوة
كان لا يعترف بوجود الإمام المهدي (ع)، ويقول : إذا جاء الإمام وأبرأني من هذا
المرض أصدق قولكم . ويكرر هذا القول . فبينما نحن مجمتعون في وقت العشاء الأخيرة
صاح أبونا فأتيناه سراعاً . فقال : الحقوا الإمام ، في هذه الساعة خرج من عندي .
فخرجنا فلم نر أحداً .
فجئنا إليه ، وقال : أنه دخل إليّ شخص ، وقال : يا عطوة ! فقلت : لبيك ، من أنت ؟
قال : أنا المهدي قد جئت إليك أن أشفي مرضك . ثم مد يده المباركة وعصر وركي وراح
. فصار مثل الغزال . قال علي بن عيسى : سألت عن هذه القصة غير ابنه فأقر بها .
فانظر إلى المهدي (ع) كيف يقرن شفاءه للمرضى بإقامة الحجة على وجوده وإمامته ،
بحيث لم يبقى لمنكرها أي شكل أو جدال .
الهدف الثامن :
هدايته للتائهين في الصحراء والمتخلفين عن الركب إلى مكان استقرارهم وأمنهم . وقد
يقرن ذلك بإقامة الحجة على الرائي للتوصل إلى هدايته ، كما سمعنا في الهدف الأول
. وأمثلته كثيرة ، نذكر الآن واحداً منها :
هو أن شخصاً ذهب إلى الحج مع جماعة قليلة عن طريق الإحساء . وعند الرجوع كان يقضي
بعض الطريق راكباً وبعضه ماشياً . فاتفق في بعض المنازل أن
طال سيره ولم يجد مركوباً . فلما نزلوا للراحة والنوم ، نام ذلك الرجل وطال به
المنام من شدة التعب ، حى ارتحلت القافلة بدون أن تفحص عنه .
ــــــــــــــــــ
(1) المصدر ، ص 306 وما بعدها .
(2) انظر ينابيع المودة ، ط النجف ، ص 548 وكشف الغمة ، جـ 3 ، ص 287 ، وكتاب
المهدي ، ص 145 ، ومنتهى الآمال جـ 2 ، ص 310 .
صفحة (126)
فلما لذعته حرارة الشمس استيقظ ، فلم ير أحداً ، فسار راجلاً ، وكان على يقين من
الهلاك ، فاستغاث بالإمام المهدي عليه لاسلام ، فرأى في ذلك الحال رجلاً على هيئة
أهل البادية راكباً جملاً .وقال له : يا فلان ، افترقت عن القافلة ؟ فقال : نعم .
فقال : هل تحب أو أوصلك برفاقك ؟ قال فقلت : نعم ، والله . هذا مطلوبي وليس هناك
شيء سواه . فاقترب مني وأناخ راحلته ، وجعلني رديفاً له ، وسار . فلم نسر إلا
قليلاً حتى وصلنا إلى القافلة .
فما اقتربنا منها ، قال : هؤلاء رفقاؤك . ووضعني ، وذهب(1) .
الهدف التاسع :
تعليمه الأدعية والأذكار ذات المضامين العالية الصحيحة ، لعدد من الناس .
وأمثلة ذلك كثيرة ، مما يفهم منه اهتمام الإمام عليه السلام بالأدعية ، لا بصفتها
تمتمات لا تسمن ولا تغني من جوع ، بل بصفتها نصوصاً ذات معان توجيهية تربوية ،
ومسائل صالحة واعية ، سائرة في طريق الله تعالى .
ومن المعلوم أن أسلوب الدعاء أقرب إلى جوالتكتم والحذر ، من أي شيء آخر ،
باعتبارها الوسيلة المعترف بمشروعيتها عموماً ، في الاتصال بالله عز وجل ، ولا
يمكن لأي سلطة من السلطات المحاسبة على ذلك . ومن هنا رأينا الإمام زين العابدين
عليه السلام قد اتخذ في تربية الأمة أسلوب الدعاء ، وضمن أدعيته أعلى المفاهيم
وأجل الأساليب .
وكذلك سار الإمام المهدي (ع) في هذا الطريق ، وانتهج نفس المنهج فيما انتهجه من
أعمال . فكان أن علم عدداً من الأفراد عدداً من الأدعية . من أهمها "دعاء الفرج"
الذي يطلع الفرد على واقعه السيىء في عصور الفتن والانحراف ، ويفهمه أمله المنشود
ويربطه بالله تعالى ارتباطاً عاطفياً إيمانياً وثيقاً ، إذ يقول: اللهم عظم
البلاء وبرح الخفاء وانقطع الرجاء وانكشف الغطاء وضاقت الأرض ومنعت
ــــــــــــــــــ
(1) انظر النجم الثاقب ، ص 241 .
صفحة (127)
السماء . وإليك يا رب المشتكى وعليك المعول في الشدة والرخاء . اللهم فصل على
محمد وآل محمد ، وأولى الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم فعرفتنا بذلك منزلتهم .
ففرج عنا بحقهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر ، أو هو أقرب ... الخ الدعاء(1)
.
الهدف العاشر :
حثه على تلاوة الأدعية الواردة عن آبائه المعصومين عليهم السلام ، بما فيها من
مضامين عالية وحقائق واعية تربوية وفكرية .
وأوضح أمثلته : ذلك الرجل الذي انقطع عن ركبه في ليل عاصف وماطر بالثلج ، إذ رأى
أمامه بستاناً وفيه فلاح بيده "مسحاة" يضرب بها الاشجار ليسقط عنها الثلج .
قال الراوي : فجاء نحوي ووقف قريباً مني ، وقال : من أنت ؟ فقلت : ذهب رفاقي
وبقيت لا أعلم الطريق ، وقد تهت فيه . فقال لي بالفارسية : صل النافلة حتى تجد
الطريق . قال : فاشتغلت بالنافلة . وبعد أن فرغب من التهجد، جاء وقال : ألم تذهب
؟ فقلت : والله لا أعرف الطريق . فقال : اقرأ الجامعة(2) . وأنا لم
أكن حافظاً للجامعة ، وإلى الآن لست حافظاً لها بالرغم من زياراتي المكررة
للعتبات المشرفة . ولكنني قمت من مكاني وقرات الجامعة بتمامها عن ظهر قلب .
ثم ظهر تارة أخرى ، وقال : ألم تذهب ، ألا زلت موجوداً . فلم أتمالك عن البكاء ،وقلت : نعم .. لا أعرف الطريق. فقال : اقرأ عاشوراً(3) . قال الراوي
: وأنا غير حافظ لعاشورا ، وإلى الآن لست حافظاً لها . ولكنني وقفت واشتغلت
بالزيارة ، فقرأتها بتمامها عن حفظ .
ــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق ، ص 263 .
(2) وهو الدعاء الذي يبدأ بقوله : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة .. يزار به
الإمام الحسين بن علي عليه السلام . انظر مفاتيح الجنان ، ص 544 وما بعدها .
(3) وهو الدعاء الذي يبدأ بقوله : السلام عليك يا ابا عبدالله .. يزار به الإمام
الحسين بن علي عليه السلام . انظر مفاتيح الجنان ، ص 456 .
صفحة (128)
قال : فجاء مرة أخرى ، وقال : ألم تذهب ؟ فقلت : كلا ... لا زلت موجوداً
هنا إلى الصباح . فقال : أنا الآن أوصلك بالقافلة . ثم ذهب وركب حماراً وحمل
مسحاته على كتفه وجاء فأردفني به . قال الراوي : فوضع يده على ركبتي وقال : أنتم
لماذا لا تقرأون عاشورا ؟ ... عاشورا ، عاشورا ، عاشورا ... كررها ثلاث مرات . ثم
قال : أنتم لماذا لا تقرأون الجامعة ؟ الجامعة ، الجامعة ، الجامعة ثلاث مرات .
وكان يدون في مسلكه .. وإذا به يلتفت إلى الوراء ويقول : أولئك أصحابك . إلى آخر
الخبر(1) .
أقول : المراد من النافلة ، صلاة الليل ، كما فهم الحاج النوري(2) فإن
الراوي أتى بها في الليل . وهذه الصلاة من أفضل المستحبات في الشريعة . وكل ما
أمر به في هذه الرواية فهو من أفضل المستحبات ... على أن يفهم فهماً حقيقياً
واعياً ، بصفته كجزء من كل ، مرتبط بالكيان العام للعمل الإسلامي في سبيل الله
تعالى وإعلاء كلمته . ولهذا أمر المهدي (ع) بالالتزام بها أمراً مؤكداً ، بعد أن
رأى الناس قد تسامحوا بها وتهاونوا في امتثالها .
وقوله له بعد كل عمل يقوم به الراوي : ألم تذهب ؟ إنما هو لاحتمال أن يكون الراوي
التائه في خلال العمل يكون قد خطرت له فكرة للخلاص ، وخاصة بعد أن يكون قد توجه
إلى الله تعالى وتوسل إليه . ولما رأى المهدي (ع) أن طرق النجاة مسدودة أمام هذا
الرجل ، وأنه لا يفكر في إصابة الطريق ... أوصله بنفسه إلى قافلته . واستطاع
المهدي (ع) أن يثبت حقيقته بعدة معجزات "مخففة" غير ملفته للنظر ، ذكرنا بعضها
وأحلنا الباقي على المصدر الذي اعتمدناه .
فهذه عشرة أهداف ، مما يتوخاه الإمام المهدي (ع) في عمله من مقابلة الأفراد ...
مما قد يكون له – في المدى البعيد – أعمق الأثر على صعيد اجتماعي عام وعدد من
الأفراد كبير . وللمهدي (ع) أهداف أخرى ، تظهر لمن يراجع أخبار المشاهدة ، نعرض
عنها آسفين ، توخياً للاختصار .
ــــــــــــــــــ
(1) انظر النجم الثاقب ، ص 343 ، ومفاتيح الجنان ، ص 551 .
(2) انظر النجم الثاقب ، ص 344 .
صفحة (129)
|