وهذا هو أبعد طريق عن الشبهة والخطر بالنسبة إليه ، كما هو واضح . كما أنه يكون عملاً من الأعمال المنتجة  بصفته ذو تأثير حقيقي في الخارج . وإنما يسقط الدعاء من كونه عملاً منتجاً فيما إذا كان بعيداً عن الإخلاص وعن إدراك حقيقة المسؤولية ، ومن ثم يكون بعيداً عن الإجابة فلا يكون منتجاً .

القسم الخامس :

الأخبار التي تدل على أنه شارك في إقامة الحجة على افرد ، بعض ما رآه في المنام أيضاً ، مضافاً إلى الحوادث التي عاشها في اليقظة .

وهذا الأمر ليس بالبعيد مع اقتران خصيصتين :

الأولى : إذا كانت إقامة الحجة على مستوى المعجزة .

الثانية : أن يكون لبعض ما رآه أثر في عالم اليقظة ، ولم تكن الحادثة مقتصرة على المنام وحده .

وكلا الخصيصتين مجتمعتان في الأخبار المندرجة في هذا القسم مما سطر في المصادر أو شوهد بالوجدان أو سمع بالنقل . ومعه تندرج هذه الأخبار فيما يدل بالدلالة القطعية على وجود المهدي (ع) ، وإن لم تندرج في أخبار المشاهدة .

وأود أن أشير في المقام إلى أنه ليس هناك أي دليل عقلاً ولا شرعاً على بطلان كل الأحلام جملة وتفصيلا .  نعم ، لا شك في أكثرها زائل ولا حقيقة له ، وإنما هو ناشئ عن نوازع نفسية لا شعورية لدى الفرد .  ولكن مما لا شك فيه وجود الأحلام المطابقة للواقع ، والتي يجد الفرد تطبيقها في عالم اليقظة بنحو أو بآخر ، وإنكار ذلك مكابرة واضحة على الوجدان ، وأنت حر بإعطاء أي تفسير لذلك عدا الصدفة المحضة التي يقطع بعدمها نتيجة للكثرة الكاثرة من الأحلام الصادقة على مر التاريخ .

فإذا اقترن الحلم بأمر زائد على مجرد المطابقة للواقع ، كان – ولا شك- من قبيل المجزات ، كما لو دعا لك شخص في المنام فشفيت في اليقظة أو وعدك بتحقق أمر فتحقق ، أو أخبرك بشيء لم تكن تعلمه ، وكان حاصلاً حقيقة .

ومع ذلك لا نريد أن نثمن تلك الروايات التي تقتصر على مجرد المنام ، فان مثل ذلك غير موجود في أخبار المشاهدة على الاطلاق . وإنما يوجد قسم منها تشارك اليقظة والنوم في إيجاد المعجزة للدلالة على حقيقة المهدي. وهو من أوضح الدلائل على صقد المنام . 

صفحة (101)

وعلى أي حال ، فهذا القسم قليل العدد في روايات المشاهدة .  ولو قدر لنا إسقاط المنام عن نظر الاعتبار، لكان لنا في ما حدث في اليقظة حجة وكفاية .

القسم السادس :

الأخبار الدالة على الحاج النوري في ذلك روايتين ، كان المهدي (ع) في احداهما بصورة "سيد" يعرفه الراوي ويعرف كونه جاهلاً واطئ الفهم والثقافة. وقد فهم كونه هو المهدي (ع) لما ذلكر من أمور علمية مع إنكار ذلك الشخص أنه كان هو القائل لذلك (1) . وكان المهدي (ع) في الثانية في صورة "شيخ" يعرفه الراوي (2) .

وهاتان الروايتان ، ونحوهما ما يثبت تشكل الامام المهدي (ع) في سحنته وجسمه أشكالاً مختلفة ، بحيث من الممكن انطباقها على أشخاص بعينهم ... يختلف حسابهما بالنسبة إلى الأطروحتين الرئيسيتين السابقتين :

أما أطروحة خفاء الشخص ، فهي وإن لم تقتض ذلك علىوجه التعيين ، لامكان أن يراه الرائي عند ارتفاع خفائه بشكل موحد في كل المرات . ولكن قد يتخيل من يقول بهذه الأطروحة : بأن حال المهدي (ع) وغيبته ، لما كانت مبتنية على المعجزات ، كما هو مفروض هذه الأطروحة ، فمن الممكن أن تتوسع في المعجزات إلى كثير من خصوصيات الامام (ع) وأموره ، حتى فيما يرتبط بشكله وسحنته ... ما دام الله تعالى قادراً على كل شيء .

ولكن الواقع ، أننا إذا سرنا في هذا التصور عدة خطوات ، لواجهنا انحرافاً خطيراً وفهماً خاصاً باطلاً للتصورات والقواعد الاسلامية ، لسنا بصدد تفصيله .
ــــــــــــــــــ
(1) النجم الثاقب ، ص 368 وما بعدها . (2) المصدر ص 373 .

صفحة (102)

هذا ويراد بالسيد والشيخ من كان بزي رجال العلم الديني الاسلامي .غير أن السيد من كان من العلويين منهم والشيخ منهم من لم يكن كذلك .

والصحيح هو ما قلناه في تأسيس الأطروحة الثانية ،من قانون المعجزات ،وإن كون الله تعالى قادراً على كل شيء، لا يقتضي إيقاعه للمعجزات بعدد كبير وبدون مبرر واضح .  بل لابد من اقتصاره على مورد إقامة الحجة ، وتربية البشر .

فإذا تمّ ذلك ، عرفنا أننا نعترف بإمكان ما قيل من تغير شكل الإمام-موقتاً – عند انحصار إقامة الحجة على ذلك أو توقف مستقبله الموعود عليه .غلا أن ذل كمما لا يكاد يوجد له مصداق أو تطبيق في أي مورد ن لما سبق أن عرفناه من إمكان إيجاد المقابلة وإنهائها بشكل طبيعي ، أو بإيجاد معجزة واحدة هي الاختفاء عند الضرورة ، مع الحفاظ على شكله الذي هو قوام شخصيته بين الناس . وإذا أمكن ذلك ، انتفت الحاجة إلى تغير الشكل بالمعجزة ، وإذا انتفت إليها الحاجة لم يكن لوجودها سبيل ، بحسب قانون المعجزات .

وينفي هذا المضمون أيضاً ، ما سبق أن سمعناه من أن عدداً من الأفراد يعرفون الإمام المهدي (ع) في غيبته الصغرى وفي غيبته الكبرى ، بشكل وسحنة موحدة بالرغم مما قد يتغير من زيه وملبوسه.

القسم السابع :

من أخبار المشاهدة ما دل على مشاهدة المهدي (ع) في العراق أو وسطه وجنوبه على وجه خاص . وهذا يشمل الأعم الأغلب من أخبار المشاهدة .

ومع ، فقد يخطر في الذهن : أن هذا الاختصاص بمنطقة معينة من العالم مما لا يناسب الوظيفة الإسلامية التي عرفناها للمهدي طبقاً للأطروحة الرئيسية الثانية ... من تنفيذ عدد من مصالح المسلمين وحل مشاكلهم ، مما هو مستجمع للشرائط السابقة ، وخاصة مما يمت إلى قواعده الشعبية ومواليه بصلة . ومن المعلوم أن عمله في خصوص العراق ،يجعل هناك ضيقاً في نشاطه لا عن المسلمين فقط ،بل عن قواعده الشعبية في غير العراق أيضاً، فكيف نستطيع أن نفسر هذه الأخبار .

والجواب عن ذلك يكو من عدة وجوه :

الوجه الأول :

إن الأخبار المثبتة لمشاهدته عليه السلام في غير العراق، لا قصور فيها من حيث الدلالة على قيام المهدي بوظيفته الاسلامية في تلك البلاد . على ما سنسمع فيما يلي من البحث مفصلاً .

صفحة (103)