|
||
|
ولكن أوَ ليس الدور التغييري الحاسم الذي أعد له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس . وما مرت بهم من تطورات التاريخ ؟ أوَ ليس قد أنيط به تغيير العالم ، وإعادة بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل؟ فلماذا نستغرب إذا اتسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإن غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً ، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود انجازه . فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد تاريخياً على الرغم من أنه لا يوجه دور مناظر له في تاريخ الإنسان ، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة ؟
ولا أدري هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط ، بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد ، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الإعتيادية أضعافاً مضاعفة ؟! أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية وهو نوح الذي نص القرآن الكريم على أنه مكث في قومه ألف عام إلا خمسين سنة ، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد . والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام وسيقدر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد .
فلماذا تقبل نوح
الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي ؟
صفحة (37)
المعجزة والعمر الطويل
وقد عرفنا حتى الآن أن العمر الطويل ممكن علمياً ، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علمياً ، وأن قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم ولا على خطها الطويل أن تتغلب عليه ، وتغير من ظروفه وشروطه فماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني أن إطالة عمر الإنسان ـ كنوح أو كالمهدي ـ قروناً متعددة ، هي على خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة ، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطلت قانوناً طبيعياً في حالة معينة للحفاظ على حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ على رسالة السماء ، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها ، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدة من نص القرآن والسنة ، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشد صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويان، وقد عطل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم"عليه السلام"حين كان الأسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون فقيل للنار حين ألقي فيها إبراهيم " قُلنا يا نارُ كوني برداً وَسَلاماً على إبراهيم" (1) .
(1) الأنبياء : 69 .
|
|