|
||
|
وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجاهاته المتحركة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان ، سواءً فسرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخلية الحية نفسها يسير بها نحو الفناء . ويتلخص من ذلك : أن طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعدددة أمر ممكن منطقياً وممكن عملياً ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً ، إلا أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل . وعلى هذا الضوء يتناول عمر المهدي " عليه الصلاة والسلام " وما أحيط به من استفهام أو استغراب .
ونلاحظ : أنه بعد
أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً ، وثبت أن العلم سائر في طريق
تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجياً ،
لا يبقى للاستغراب محتوىً إلا استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه ، فيتحول الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلى متسوى القدرة الفعلية على هذا التحويل ، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان . وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام ـ الذي صمم عمر هذا القائد المنتظرـ حركة العلم في مجال هذا التحويل ؟ فالجواب : أنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم . أو ليست الشريعة الإسلامية ككل ، قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة ؟ أوَ لم تنادِ بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلا بعد مئات السنين ؟ أوَ لم تأت بتشريعات في غاية الحكمة لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلا قبل برهة وجيزة من الزمن ؟ أوَ لم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان.
ثم جاء العلم ليثبتها ويدعمها ؟! فإذا كنا نؤمن بهذا كله فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة ـ سبحانه وتعالى ـ أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي ؟ وأنا هنا لم أتكلم إلا عن مظاهر السبق التي نتسطيع أن نحسها نحن بصورة مباشرة ، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تحدثنا بها رسالة السماء نفسها . ومثال ذلك أنها تخبرنا بأن النبي (ص) قد أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهذا الإسراء ، إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعية فهو يعبر عن الإستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يتح للعلم أن يحققه إلا بعد مئات السنين ، فنفس الخبرة الربانية التي أتاحت للرسول (ص) التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك ، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك .
نعم ، هذا العمر
المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتى
اليوم في حياة الناس وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.
صفحة (35) |
|