|
||
|
وكان هذا الأسلوب الذي اتخذه علماؤنا ومشايخنا ، لا يخلو من عدة نقاط ضعف نستطيع أن نعرضها فيما يلي ، منطلقين من مورد بحثنا ومحل كلامنا . النقطة الأولى : أن التأكيد كل التأكيد في كتب هؤلاء الأعلام ، والغرض الأساسي لهم ، هو الناحية العقائدية بالخصوص.إذ يبذل المؤلف منهم جهداً كبيراً ويكرس كتابه على إثبات إمامة الأئمة ، وذكر فضائلهم ومعاجزهم، ويغفلون عن تخصيص فصل يذكرون فيه جهاد الأئمة عليهم السلام ونشاطهم الإسلامي ، وما يكتنف استخلاصه عرضاً مما ورد في خلال ما نقوله من المعجزات والفضائل من حوادث التاريخ . وهو الذي استطعنا أن نعتمد عليه في خلال بحوثنا الآتية . غير أنه من المعلوم ، أن هذه الحوادث تكون أقل عمقاً حين يكون النظر متوجهاً إلى غيرها والتأكيد منصرف إلى سواها ، وهو أمر يثير في النفس أشد الاسف .
النقطة الثانية : مجيء هذه التواريخ ، في كلامهم ، مبعثرة مشوشة إذ تحتوي كل رواية على قسم صغير من الحوادث، وقسم كبير من التأكيد العقائدي . مما يحتاج ترتيبه وتبويبه وإرجاعه إلى أصوله ، إلى جهد مضاعف وعمل كبير. النقطة الثالثة : مجيء هذه التواريخ مهملة ـ في غالبها ـ من المكان والزمان . لا يعلم ـ في حدود ما نقلوه ـ عام حدوثها ولا مكانها ولا مقارناتها من حوادث التاريخ . ومن ثم اكتنف الغموض أسبابها ونتائجها ، واحتاج في ردها إلى موضعها الطبيعي من عمل جديد وجهد جهيد . مع مقارنتها ببعضها البعض ، وبالتاريخ العام ، كما سنضعه فيما يلي من الحديث . النقطة الرابعة : التطويل فيما ينبغ فيه الاختصار والاقتضاب فيما ينبغي فيه التطويل . فليس العرض على شكل واحد متساوي الجوانب فقد تحتوي الرواية على وصف مسهب للحياة الشخصية لراو معين مقدمة لفهم كلامه مع الإمام (ع) ، ولكنها لا تكاد تدخل في المجال التاريخي . على حين أنك تجد اقتضاباً مخلاً إذا أردت التعرف على تفاصيل موقف الأئمة عليهم السلام أو أصحابهم أو سفرائهم ، من الحوادث السياسية السائدة في عصورهم ، كثورة صاحب الزنج أو القرامطة ، مثلاً . أو رايهم في تأسيس دولة الأندلس الإسلامية في قلب أوروبا ، ودولة ابن طولون في مصر ، وغيرها من حوادث العصر الذي نؤرخ له.
ولن تجد في هذه المصادر إلا إشارات ضئيلة وعبارات قليلة، لا تكفي إلا لتكون فكرة شاحبة ذات فجوات واسعة، عن نشاط الأئمة (ع) ووكلائهم وأصحابهم وقواعدهم الشعبية ، ورأيهم في ذلك . النقطة الخامسة : هي نقطة اسناد الروايات ، وحال رواتها السابقين على هؤلاء المؤلفين الإعلام ، من الوثاقة والضعف. فإن هؤلاء الإعلام بذوقهم الموضوعي العلمي ، واتجاههم الموسوعي الذي يرمي إلى حفظ كل حديث وارد والتقاط كل وارد وشارد .... قد جمعوا في كتبهم كل ما وصلهم من الروايات عن الائمة (ع) أو عن اصحابهم ، بغض النظر عن صحتها أوضعفها ، وأوكلوا مسؤولية التدقيق والتمحيص إلى مراجعي الكتاب من الباحثين في الأجيال المقبلة ، وهذا ـ إلى هذا الحد ـ عمل أمين وجليل ، حفظوا فيه التاريخ الإسلامي ، واستحقوا عليه الشكر والثناء . ولو كان بأيدينا فكرة واضحة مفصلة عن أحوال الرواة لهذه الأحاديث الكثيرة ، لهان الأمر إلى حد كبير ، ولأخذنا بالرواية الموثوقة وأهملنا الرواية الضعيفة ، ولم نعتبرها إثباتاً تاريخياً كافياً ، إلا مع وجود قرائن خاصة تدل على صدقها ومطابقتها للواقع .
إلا أنه من المؤسف
القول ، أن أعلامنا الأوائل ، إذا الفوا في علم الرجال وصنفوا في تراجم الرواة
، اقتصروا في ذلك ـ في كل كتبهم ـ على الرجال الرواة للأحاديث الفقهية
التشريعية التي تتعرض للأحكام الشرعية ، وأولوها العناية الخاصة بصفتها محل
الحاجة بالنسبة إلى إطاعة الأوامر
الإسلامية . |
|