لا يختلف في ذلك الخليفة عن القواد عن الوزراء عن العامة أنفسهم . ولما كانت الدولة تعاني التفكك والضعف ، كان مجرد وجود أي شبح للحركة العلوية أو تهمة في ذلك ، يثير الرعب لدى الخليفة واتباعه ويتصدى القواد الأتراك ومن اليهم بإنزال أقصى العقوبات بالثائرين .

ونستطيع أن نستشهد من تاريخنا العام لهذا الحقد ، بعدة أمور :

منها : ما كان المتوكل يستشعره من الكراهية تجاه علي (ع) والعلويين ، وكان آل أبي طالب ـ على ما ينص التاريخ ـ في أيامه في محنة عظيمة، قد منعوا من زيارة قبر الحسين عليهم السلام والغري من أرض الكوفة. وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد ، وأمر بهدم قبر الحسين عليه السلام ومحو أرضه وإزالة أثره وأن يعاقب من وجد به (1) وحدث به وزرع فيه ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله ، بأخذ المال والدم (2) ولم تزل الأمور كذلك إلى أن استخلف المنتصر ، فأمن الناس وأمر بالكف عن آل أبي طالب وترك البحث عن أخبارهم . وأطلق حرية زيارة قبر الحسين عليه السلام ، وغيره من آل أبي طالب (3) .

ـــــــــــــــــــــــــ

(1)    المروج جـ 4 ص 51 .

(2)    الكامل جـ 5 ص 287 وانظر المقاتل اللاصبهاني ص 424 .

(3)    المروج جـ 4 ص 51 وانظر المقاتل ص 450 .


صفحة (76)

 

وسنذكر ما فعله المتوكل من إزعاج الإمام علي بن محمد الهادي (ع) وأشخاصه إلى سامراء من المدينة . لكي يكون تحت رقابته وفي قبضته. وكان يستدعيه إلى قصره بين الفينة والفينة، معداً له مؤامرة القتل فتفشل، وتضطره هيبة الإمام عليه السلام إلى احترامه وإكرامه (1) .

ومنها : قتل المعتمد للإمام الهادي عليه السلام ، على ما ذكره ابن بابويه الصدوق (2) .

ومنها : مراقبة الخلفاء للأئمة (ع) على ما سنذكر ، وقضائهم على كل ثورة علوية .

ولم يكن القواد الأتراك بأحسن من الخلفاء حالاً من هذه الناحية. بل هم أقل منهم ضبطاً وأكثر تهوراً كموسى بن بغا الذي قضى على ثورة الحسن بن إسماعيل العلوي (3) وعلى بن أوتامش(4) وصالح بن وصيف (5) وأحمد بن عبيد الله بن خاقان (6) وسعيد الحاجب (7) ، ونحوهم ممن يمت إلى الدولة بخوف أو طمع أو حاجة .

في هذا الجو المكهرب العاصف ، كان يرى بعض العلويين الذين يتوسمون في أنفسهم القوة والأصحاب ، وجوب الثورة على الظلم والفساد ، وإظهار كلمة الحق أمام المجتمع السادر في غفلته البعيد عن روح الإسلام وتعاليم القرآن.لعل ذلك يكون سبباً من اسباب توعية الامة وإيقاظ ضميرها. والتفاتها إلى واقع حياتها وواجبات دينها .

ـــــــــــــــــــــــ

(1)    انظر المروج جـ 4 ص 10 . (2)    مناقب آل أبي طالب جـ 3 ص 506 .

(3)    المروج جـ 4 ص 69 .        (4)    إعلام الورى 359 .

(5)    المصدر ص 360 .               (6)    المصدر ص 357 .

(7)    المصدر ص 345 وانظر المروج .


صفحة (77)

 

وكان الغالب منهم يدعو إلى ( الرضا من آل محمد ) ، ويعنون بذلك : الشخص الذي هو أفضل آل محمد (ص) في ذلك العصر . وليس ذلك إلا أحد أئمتنا عليهم السلام الذين كان يعتقد هؤلاء الثوار بامامتهم .

وإنها لالفتاتة بارعة : أن يدعو الثائر إلى الرضا من آل محمد (ص) بهذا العنوان العام ، ولا يدعو إلى إمام زمانه بالخصوص . وذلك : لئلا يوقف الثائر إمامه الذي يدعو إليه ، موقف الحرج تجاه السلطات الحاكمة ، وهو يعلم أن الإمام عليه السلام ، أمام سمع الدولة وبصرها ، وليس أهل عليها من أن تتهمه بإثارة الحركة والعصيان ، مما يؤدي إلى قتله وخسارة المجتمع المسلم لوجوده. ومعه ، فيفكر هذا الثائر أنه إن نجحت ثورته نجاحتً كبيراً يجعلها أهلاً لمناصرة امامه عليه السلام ، فهو المطلوب ، وإلا كان وصحبه فداء لإمامه ولدينه .

وأئمتنا عليهم السلام ـ في عصورهم المتأخرة ـ كانوا لا يعيشون في الحياة إلا قليلاً ، ويصعدون إلى بارئهم في ريعان الشباب . فالإمام الجواد محمد بن علي عليه السلام عاش خمساً وعشرين سنة (1) والإمام الهادي علي بن محمد عليه السلام عاش إحدى وأربعين (2) والإمام العسكري الحسن بن علي عليه السلام عاش ثمانياً وعشرين عاماً (3) .

ــــــــــــــــــ

(1)    انظر الإرشاد ص 307 .   (2)    المصدر ص 314 .

(3)    المصدر ص 325 .


صفحة (78)