|
||
|
فقال الخليفة : وما كانت العلامة؟. قال الوفد: كان يصف الدنانير وأصحابها، والأموال وكم هي .فإذا فعل ذلك سلمناها إليه ،وقد وفدنا عليه مراراً، فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا ،وقد مات ،فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر – يعني الإمامة – فليقم لنا بما كان يقيمه لنا أخوه ،وإلا رددناها على أصحابها . وهنا بدر جعفر فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هؤلاء قوم كذابون على اخي ..وهذا علم الغيب. نفس الإستدلال من اقوم .ونفس الجواب من جعفر ، يريد به افحام القوم أمام المعتمد ، لأجل لن يكسب مساعدته ضدهم .وهم وإن لم يوافقوا على اعتراضه ، باعتبار اعتقادهم بالإمامة ، واعتبروا ذلك دليلاً على عدم إمامته .إلا أن المفروض في المعتمد ، وهو يمثل خطأ لا يؤمن بالامامة ، أن يوافق على هذا الإعتراض ويلزم القوم بما لا يعتقدون .إلا أنه يشاء الله تعالى ...ويريد المعتمد أن ينتصر الحق أمام جعفر ، وعلى طول الخط ..ليبوء مخططه بالفشل .إن المعتمد غير مطلع على نوايا جعفر وأهدافه بالتفصيل ..إلى حد الآن ، ولكنه يعلم أنه خائن لمسلك أبيه وأخيه.
والخائن يجب ترك نصرته والوقوف إلى جانبه... إن المعتمد لا ينطلق في جوابه من حيث انطلق جعفر في اعتراضه... وإنما ينطلق من منطلق الوفد نفسه.. من الحقيقة الواضحة بأن الوكيل لا يستطيع التصرف إلا في حدود إذن موكله، وحيث ذكر هؤلاء أنهم غير مأذونين بتسليم المال إلا بعد الدلالة وإقامة الحجة ، إذن فلا بأس بعدم تسليمهم المال. ومن هنا قال المعتمد: القوم رسل ،وما على الرسل إلا البلاغ المبين . فبهت جعفر ولم يرد جواباً ،أنه يسمع من المعتمد لأول مرة ما لم يكن متوقعاً ..إنه قول منصف ، إلا أن جعفر ليأسف أن يكون قول المنصف دائماً، ضد مخططه. ثم يطلب القوم من الخليفة أن يأمر لهم شخصاً يدلهم على الطريق ، حتى يخرجون من البلدة ، فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها. وإذ يصبحون في خارج البلدة ،ويحدث ما لم يكن في الحسبان ...أنهم جاؤوا إلى هذه البلدة يحملون الأموال إلى الإمام عليه السلام ... ومن غير المنطقي أن يرجعوا إلى بلدهم آيسين و يعلنوا عدم وجود الإمام ، فتبقى الأمة في حيرة وضلال ،مع أن الحجة المهدي موجود وقادر على الإتصال بهم وإفهامهم ما هو الحق ،إن ذلك لن يكون بادرة حسنة في منطق الدعوة الإلهية .إذن فلا بد من الإتصال بهذا الوفد ، وإلقامة الحجة عليه وإفهامه وجود إمامه ..على الطريقة المتبعة مع سائر الموالين .. ليكون هذا الوفد لساناً للحق في بلاده ونقطة انطلاق إلى القواعد الشعبية الموالية .
وستكون مقابلة هذا الوفد للإمام المهدي (ع) ثاني اتصال له بالناس في يوم وفاة ابيه ، وكان الول هو صلاته عليه السلام الله عليهما ، يرسل المهدي (ع) خادمه ، إلى خارج البلدة ، ويعطيه لامفتاح الرئيسي لإفهام هذا الوفد الحائر ما هو الحق .فيأمره بأن يتبعهم ويناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ..ويلقنها إياه ويخرج الخادم خارج البلدة ، ويصيح بهم بأسمائهم ، قائلاً لهم: أجيبوا مولاكم. وهنا يجد القوم أن هذا الخادم قد علم الغيب فيخطر لهم احتمال أنه هو الإمام ..غافلين عن إمكان التعلم أي أحد إذا وجد الفرصة المناسبة فيبدرونه قائلين:أنت مولانا؟ فقال الخادم: معاذ الله ، أنا عبد مولاكم ، فسيروا إليه، واستصحبهم معه حتى وصلوا إلى دار الإمام العسكري عليه السلام ، فدخلوا فوجدوا الإمام المهدي قاعداً على سرير كأنه قمر ، عليه ثياب خضر .فسلموا عليه فرد عليهم السلام .ثم قال عليه السلام :جملة المال كذا وكذا دينار. حمل فلان كذا وحمل فلان كذا .ولم يزل يصف ، حتى وصف الجميع ثم وصف ثيابهم ورحالهم وما كان معهم من الدواب ، فخروا سجداً لله عز وجل لما عرفهم ، وقبلوا الأرض بين يديه ، وسألوه عما أرادوا ، فأجابهم ، فحملوا إليه الأموال . وهنا، وأمام ذلك الوفد القمي ، يفتح الإمام المهدي عليه السلام ، باب التاريخ الجديد ، تاريخ الغيبة الصغرى، تاريخ الوكالة والسفارة ، وهو تاريخ سوف يعيشه الناس سبعين عاماً من الدهر على ما سنسمع ..
|
|