|
||
|
وقد كانا معاً مسجونين في عهد المعتمد ، فيرسل المعتمد رسولاً إلى السجن لأجل إبلاغ الإمام العسكري سلامة ولإطلاق سراحه .وحين يصل الرسول يجد على الباب حماراً ملجماً والإمام قد لبس خفه وطيلسانه ، فأدى له الرسالة .يقول الراوي :فلما استوى على الحمار ، وقف . فقلت له: ما وقفك يا سيدي. فقال لي: حتى يجيء جعفر .فقلت: إنما أمر بإطلاقك دونه .فقال له: ترجع إليه فتقول له : خرجنا من دار واحدة جميعاً ، فإذا رجعت وليس هو معي ،كان في ذلك ما لا خفاء به عليك.
فمضى الرسول وعاد
يقول المعتمد :قد أطلقت جعفراً لك ، لأني حبسته بجنايته على نفسه وعليك ،وما
يتكلم به ، فخلى سبيله فصار معه على داره(1). ويستفاد من الأخبار، ان لهذا لرجل ، بصورة رئيسية ، ثلاث نشاطات منحرفة مضادة للحق وللإمام المهدي عليه السلام . ـــــــــــــــــــ (1) ناريخ سامراء ج2 ص256
أولاً : ادعاؤه الإمامة بعد أخيه الحسن بن علي العسكري عليهما السلام ،وقد توسل إلى ذلك بوسائل منها :ما سمعناه من محاولته الصلاة على أخيه .ومنها ما سنسمعه من توسطه عند الدولة في ان تجعل له مرتبة أخيه في الزعامة على القواعد الشعبية الموالية .وقد باء في كلتا لمحولتين بالفشل الذريع. ثانياً: إنكاره وجود الوريث الشرعي للإمام العسكري (ع) ،ومن ثم ادعاؤه استحقاق التركة ، واستيلاؤه عليها بإذن من السلطات الحاكمة .وسنجد أن الإمام المهدي عليه السلام يقف بنفسه ضد هذا النشاط بشكل لا ينافي مع غيبته الصغرى. ثالثاً:إنه حين يسمع الإحتجاج عليه ، يوعز إلى الدولة باحتمال وجود المهدي (ع) ، فتتجدد في قلبها الشجون، وتبدأ سلسلة من المطاردات والإعتقالات على ما سوف يأتي ،وتنتهي الحملة بإضطهاد الموجودين من عائلة الإمام العسكري عليه السلام ، وعدم العثور على الإمام المهدي عليه السلام. وهذا هو الذي عبر عنه في الأخبار يكشف ما أوجب الله عليه كتمانه وستره. ونحن لا بد أن نسير مع كل واحد من هذه النشاطات ، لنرى مخطط جعفر بن علي ونتائجه ،واسلوب وقوف المهدي (ع) ضده .
وقد ساعدت عدة أمور على تخطيط هذا الإدعاء ، أو تخيلها جعفر مساعدة له: الأمر الأول: ما قلناه من خلو الجو على الصعيد الإجتماعي من منافس ظاهر مطالب بحقه بين الناس ،وإذا خلا الجو للقبرة كان لها أن تبيض وتصفر ، وللمنحرف أن يصطاد بالماء العكر.
صفحة (302)
الأمر الثاني: ما قلناه أيضاً من إجمال فكرة وجود المهدي (ع) وولادته فعلاً ، في أذهان الناس .الأمر الذي ساعد عليه ما عرفناه من عدم تمكن الإمام العسكري عليه السلام من الإعلان الإجتماعي العام عن وجود ولده ..،كان يوصي كل من يعرضه عليه بالكتمان ووجوب الستر والسكوت. الأمر الثالث: ما حاول جعفر من الصلاة على أخيه ، باعتبار أنها تعطيه (سابقة قانونية) يستفيد منها اجتماعياً في إدعائه للإمامة . لأن المفروض أنه لا يصلي على الإمام إلا وريثه الشرعي أو الإمام الذي بعده ، على ما نطقت به بعض الأخبار . الأمر الرابع : توسطه إلى الدولة ، لكي تجعل له مثل مقام أخيه في شيعته ، بإزاء مال سنوي يدفعه إليها مقابل عشرين ألف دينار (1). انظر إلى مقدار الربح الذي يتوقعه جعفر حين وصوله إلى هدفه وتوليه الإمامة المزعزمة ..بحيث يستطيع أن يتحمل بها مثل هذه الغرامة السنوية الكبيرة . وهذا يفسر لنا لإطلاعه على مقادير الأموال التي كانت تصل من أطراف العالم الإسلامي إلى أبيه وأخيه، وتقديره للموقف من هذه الناحية تقديراً حسناً. ـــــــــــــــــــ (1) انظر الإرشاد ص320 وغيره.
|
|