|
||
|
أنه يشعر بذلك ويريد أن يستفيد منه لمصالحه الخاصة ، من دون أن ينظر بعينه للمصادر التي كان أبوه وأخوه عليهما السلام يصرفان فيها هذه الأموال، والمشاريع والمساعدات الإجتماعية التي كانا يقومان بها ، مما سمعنا طرفاً منه فيما سبق . وقد باءت كل هذه الأمور بالفشل ، بسبب عدة عوامل استطاعت أن تحول ضد نجاحها واستشراء نتائجها: العامل الأول: كونه مشهوراً بالفسق واللهو والمجون .. وقد سمعنا تعليق أحدهم وهو يرى جعفراً يهنأ بالإمامة، بقوله: إن يكن هذا هو الإمام ، فقد بطلت الإمامة. ومن المعلوم أن جميع أفراد المجتمع ،وخاصة القواعد الشعبية الإمامية ، يدركون أن من أوليات وواضحات سلوك الإمام هو السلوك الصالح والخلق المثالي الرفيع ...كذلك اعتادوا من الإمامين العسكريين عليهما السلام وآبائهما عليهم السلام . وأما مع خلاف ذلك ، فمن غير المحتمل تقليد الفرد للإمامة بأي حال من الأحوال. وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى لإبراهيم الخليل عليه السلام: قال:"إني جاعلك للناس إماماً .قال: ومن ذريتي .قال: لا ينال عهدي الظالمين"(1).والإنحراف الذي كان عليه جعفر هو الظلم بعينه ، إذن فهو لا ينال عهد الله بالإمامة . ـــــــــــــــــــ (1) سورة البقرة 2-124
العامل الثاني: إن الموقف أصبح مختلفاً اختلافاً كبيراً في الزمان المتأخر عن وفاة الإمام العسكري عليه السلام ، عما كان عليه ساعة وفاته حين تمكن جعفر أن يتلقى التهاني بالإمامة . فالموقف في تلك الساعة ، وإن كان صعباً ومعقداً ، حتى أن السمان وهو عثمان بن سعيد الذي سيصبح الوكيل الأول للحجة، وعقيد الخادم الذي رأيناه يحضر وفاة الإمام العسكري عليه السلام ..لم يكن لهما رأي أو مناقشة في صلاة جعفر على اخيه ، بالرغم مما يعلمان به من وجود الامام المهدي عليه لسلام . ومهما تكن وجهة نظرهما آنئذ ،فان الموقف اصبح ينكشف والطريق يتعبد ،كلما تقدم الزمان ،بفضل جهود العاملين في سبيل اعلاء راية الحق ،وعلى راسهم الوكيل الاول عثمان بن سعيد نفسه. فأننا وان فهمنا ان الفكرة كانت مجملة في اذهان الجمهور العام ..إلا ان الصفوة المختارة التي عرض عليها الامام العسكري عليه السلام ولده ،وهم اكثر من خمسين ،كانت لا تزال في الوجود متحمسة للدفاع عن قضيتها ضد أي انحراف. يضاف اليهم من يشاهد الحجة المهدي (ع) في غضون هذا الزمن ومن يصل اليه توقيعاته في قضاء حاجاته الشخصية والاجتماعية ..وهم عدد ضخم لا يستهان به. وأول من فتح الباب لإتضاح هذا الطريق هو الحجة المهدي (ع) حين بادر إلى منع عمه من الصلاة على الإمام عليه السلام ،امام جماعة من مواليه ،كان جملة منهم قد هنأ جعفراً بالإمامة وقد رأينا جعفراً لم يمانع في تأخره عن الصلاة.
صفحة (305)
وإن نفس وقوع الجدل
بين الموالين ..في إمامة جعفر والمحاولات الجاهدة لإحباط خططه من قبل المخلصين
، ليتمخض شيئاً فشيئاً عن وضوح الفكرة وانجلاء الغمامة الذهنية عن العموم.
وذلك أن جعفر كتب إلى بعض الموالين كتاباً يدعوه إلى نفسه ، ويعلمه أنه القيم بعد اخيه ،ويدعي ان عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه ، وغير ذلك من العلوم كلها .وحين يصل الكتاب إليه يستنكر مضمونه ويشك بما فيه ، فيذهب على أحمد بن اسحق الأشعري ، والذي يعرفه وعرفناه أنه أخص أصحاب الإمام العسكري عليه السلام وأقربهم لديه، فيخبره بأمر هذا الكتاب ويعرضه عليه. فيبادر ابن اسحاق للكتابة إلى الحجة المهدي (ع) بواسطة سفيره ويجعل كتاب جعفر في ضمن كتابه ليطلع عليه المهدي عليه السلام. فيرد الجواب إلى أحمد بن اسحق ، شديد اللهجة ، مستنكراً أشد الإستنكار ، متحدياً لجعفر في إثبات الإمامة أقوى التحدي ،ويؤسفنا أن يكون ذكر نص الكتاب خروج عما نتوخاه من الإختصار(1) ولكننا نذكر بإيجاز النقاط التي اكد عليها الحجة المهدي (ع) في كتابه : أولاً: وجود الخطأ الإملائي في كتاب جعفر : ثانياً : إن الله تعالى ميز آباءه من الأئمة عليهم السلام عن إخوتهم وبني عمهم بميزات ، وجعل بينهم فرقاً واضحاً "بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب وطهرهم من الدنس ونزههم من اللبس ، وجعلهم خزان علمه ومستودع حكمته وموضع سره وأيدهم بالدلائل ولولا ذلك لكان الناس على سواء ولا دعى أمر الله عز وجل -: الإمامة – كل أحد ، ولما عرف الحق من الباطل ولا العالم من الجهل". ـــــــــــــــــــ (1) انظر الإحتجاج ج2 ص279 وما بعدها.
|
|