|
||
|
وعلى أي حال ، فإنه يمكن ان يفهم من هذه الرواية ان الملك نفسه كان خارجاً مع جيشه للحرب ، وهو ما كتن يحدث فعلاً في الحروب المهمة الواسعة . فبذلك يمكن أن نلتفت إلى الحادثة التي ينقلها التاريخ العام في سنة 249 هـ ، حيث نزل ملك الروم بنفسه إلى الحرب مع خمسين ألفاً ، وحصل بينه وبين المسلمين قتال شديد ، قتل فيها من الفريقين خلق كثير(1) . فالمظنون ان هذه هي الحادثة المشار اليها في الحديث . وكان الامام العسكري عليه السلام في هذا العام ، عمره سبعة عشر عاماً ، يعيش تحت ظل ابيه عليه السلام ثم ان ام المهدي عليه السلام بعد ان سبيت في الحرب رقيت عند مالكها حتى عام 254هـ حين أراد بيعها ، فاشتراها الامام عليه السلام ليزوجها من ابنه عليه السلام . والرواية على أي حال ، لا تدل على سرعة بيعها بعد الاسر ، وان كان المفهوم منها بشكل عام ، هو ذلك . والله العالم .
الفرضية الثانية: ان المالك لهذه الجارية من اسرة الامام عليه السلام ، هو حكيمة اخت الامام الهادي (ع) وهذه فرضية بسيطة ومختصرة ، تكفينا في الاثبات التاريخي ان لم تكفنا الفرضية الأولى ، ولم نقتنع بمدلول ذلك الخبر . والخبر الوارد في هذه الفرضية يهمل بالكلية التعرض لأصل هذه الجارية أو ترجمة حياتها أو تاريخ ورودها إلى بلاد الاسلام أو تاريخ شرائها . ــــــــــــــــــ (1) الكامل ج 5 ص 312 .
وانما يبدأ الحديث انه في يوم من الايام يزور الامام العسكري عليه السلام عمته حكيمة رضي الله عنها ، فيرى جاريتها فيحد النظر اليها. فتقول له: يا سيدي لعلك هويتها أفارسلها اليك. فينفي الامام عليه السلام الهوى الجنسي عن نفسه ، فإنه مناف فمقام الامام وعصمته، ويعطي السبب المنطقي الصحيح لعمله . وذلك انه اجاب عمته قائلاً: لا يا عمة ، ولكني اتعجب منها . فقالت له : وما اعجبك؟ . فقال عليه السلام : سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً . فقالت له : فارسلها اليك يا سيدي . فيوقف الامام العسكري (ع) ذلك على اذن ابيه ، قائلاً : استأذني في ذلك ابي . قالت : فلبست ثيابي واتيت منزل ابي الحسن عليه السلام . فسلمت عليه وجلست . فبدأني وقال : يا حكيمة ابعثي نرجس إلى ابني ابي محمد عليه السلام . وتجمع بينه وبينها في منزلها . فيقيم الامام عندها اياماً ، حتى يتوفى والده عليه السلام بعد ايام ، فينتقل الامام العسكري (ع) مع زوجته إلى دار ابيه (1) . ــــــــــــــــــ (1) انظر اكمال الدين .. تسخة مخطوطة .
وهذه الرواية تتفق مع سابقتها على عدة خصائص ، منها : ان ام المهدي عليه السلام كانت جارية مملوكة ، وان اسمها نرجس وان زواج الامام العسكري كان في حياة ابيه واذنه . ولذا نستطيع ان نعتبر اتفاقهما على ذلك اثباتاً تاريخياً كافياً له. إلا ان هذه الرواية تعين وقوع الزواج في الأيام الاخيرة من حياة الامام الهادي (ع). ولم يكن هذا واضحاً من الرواية السابقة . وليس على هذه الرواية من اعتراض من الناحية الشكلية ، إلا اعتراض واحد ، وهو ان الامام العسكري (ع) حين زار عمته كيف جاز له ان يحد النظر إلى جاريتها مع انها ليست زوجته ولا مملوكته في ذلك الحين. ويأتي الجواب واضحاً بسيطاً، وهو انه نظر اليها بإذن مالكتها . والمالك إذا اذن لشخص في النظر إلى مملوكته جاز للمأذون له النظر شرعاً في حدود اذن المالك. وهذا وان لم يذكر في الرواية إلا انه أخذ مفروض التحقق في الرواية ، للتسالم الواضح في المجتمع المسلم على عدم جواز النظر إلى مملوكة الغير إلا بإذنه . لذا كان من الواضح في ذهن الراوي ان السامع المسلم سوف يفهم تلقائياً وجود الاذن في النظر ... ومن هنا اهمله من سرده من لفظ الرواية .
صفحة (260)
|
|