الأعتراض الرابع : ان هذا الحديث دال على تساقط الصلبان وانهيار الاعمدة ، من دون سبب ظاهر . فكيف كان ذلك؟

والجواب عن ذلك: انه مما لا شك فيه ، من الناحية الاسلامية ، ان ما يعتقده المسيحيون أصبح بعد بعثة نبي الاسلام (ص) ، باطلاً والمقيم عليه ضالً مضلاً. وان مقتضى الهداية إلى الصراط المستقيم هو الاهتداء بنور الاسلام والاعتقاد بعقائده والالتزام بعدله .

فمن الممكن القول: ان هذا الذي حدث ، هو معجزة الهية حدثت للتوصل إلى غرضين : احدهما : استنكار بقاء هؤلاء على المسيحية مع امكانهم الدخول في الاسلام ومعرفتهم بوجوده ، فإن الأولى بمصالحهم ان يعتنقوه لا ان يحاربوه ، ثانيهما : استنكار زواج هذه الامرأة من ابن عمها ، فإنها مقدرة في علم الله الأزلي لأن تكون زوجة للإمام العسكري واماً للمهدي. لا ان تكون كما يشاء جدها زوجة لإبن اخيه. بحدوث هذه المعجزة يحصل في قلوبهم تشاؤم من حصول هذا الزواج ، فلا يقومون به . كما قد اعرضوا عنه فعلاً .

الاعتراض الخامس:ان هذه الرواية تدل على شيئين متنافيين . فبينما تنص في أولها على ان الامام الهادي (ع) هو الذي كتب الكتاب الذي حمله بشر النخاس إلى الجارية ... نراها بدل بعد ذلك على ان كاتبه هو الامام العسكري (ع) . كقولها : وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب . وقولها : يعني على صاحب هذا الكتاب.

 

صفحة (255)

 

والجواب عن ذلك : ان الرواية دلت على ان كاتب الكتاب هو الامام الهادي(ع). إلا انها دلت في عين الوقت ان هذه الجارية كانت تتوهم ان كاتبه هو فتى احلامها وزوج مستقبلها الامام العسكري عليه السلام . وليس بين الامرين أي تنافي . ولا تعلم ان ما في الكتاب يدل على تحديد شخصية كاتبه حتى تعرفه بذلك .

اذن فليس شيء من هذه الاعتراضات وارد على هذا الحديث ومضعف لدلالته وما يعرب عنه من حديث وتاريخ. وانما الاعتراض الوحيد الذي يمكن صدقه ، هو ان هذا الحديث ضعيف من ناحية اثباته التاريخي ، بإعتبار كونه مجهول الرواة ضعيف السند .

التعليق الثالث : الذي نعلقه على هذه الرواية :

ان هذه الرواية مهملة من حيث التاريخ . ونحن وان استطعنا ان نعرف وقت شراء الجارية إلا انه لا يمكن تحديد وقت هذا القتال الذي وقع بين الروم والمسلمين. ذلك القتال الذي أصبحت مليكة نتيحة له اسيرة للمسلمين. كما انه لا يمكن تجديد مكانه على وجه التعيين فإن سائر أطراف الدولة الاسلامية كانت مسرحاً لحروب ومناوشات وفتوحات في ذلك العصر. وأغلبها كان بين الروم والمسلمين.

فإن لفظ الروم كان يستعمله العرب في ذلك الحين بشكل مجمل واسع المعنى . فإنهم كانوا يصطلحون بهذا اللفظ على كل بلاد مسيحية خارج حدود بلاد الاسلام. وهذا معنى شامل لكثير من مناطق الأرض .

 

صفحة (256)

 

فهو يشمل سوريا ولبنان وتركيا قبل فتحها الاسلامي ، ثم يستمر إلى ما وراءها شمالاً مما هو الآن تحت حكم الاتحاد السوفييتي . وقد دخل قسم منه في الأسلام وبقي الكثير منه مسيحياً إلى حد الآن . كما يمتد هذا اللفظ غرباً ليشمل اوروبا كلها بما فيها اليونان وايطاليا وفرنسا واسبانيا وصقلية وغيرها مما كان معروفاً يومذاك . وكانوا إذا أرادوا التدقيق في التعبير عن اوروبا ، قالوا : الفرنجة أو الافرنج ، تمييزاً لها عن سائر بلاد الروم . وهو أيضاً لفظ مجمل يشمل كل أقطار اوروبا تقريباً.

لا يستثنى من لفظ الروم ، بحسب اصطلاحهم .. من وجه العالم المعروف يومئذ ، إلا ما كان في شرق بلاد الاسلام : كالهند والصين وما كان في جنوبها كافريقيا.

والصحيح تاريخياً ان الروم هم شعب دولة روما ، التي هو الآن عاصمة ايطاليا ، وكان الاسم الرسمي للملك عندهم هو القيصر . وهي دولة استطاعت ان تسيطر على رقعة ضخمة من العالم .. من حوض البحر الأبيض المتوسط . كالشمال الافريقي واليونان وتركيا وسوريا ولبنان وفلسطين ، حتى كانت تسمى كل هذه المناطق بدولة الروم ، ومن هنا وقع الاجمال والاختلاط في معناه لدى الناس في تلك العصور ... وحتى كانت العاصمة لهذه الدولة الجبارة هي القسطنطينية ، وهي ليست في ايطاليا ، وغير قريبة من روما! وانما تقع في الجزء الاوروبي من تركيا فعلاً . وتسمى اليوم باستانبول . وكان لسقوطها بأيدي الجيش الاسلامي من الاهمية و (الاستراتيجية) السيء الكثير. اذ يعني انحسار الحكم الرومي عن بلاد الشرق وانكماشه في داخل اوروبا المسيحية.

 

 صفحة (257)