النقطة السادسة : إن أعلامنا المؤلفين ، بذوقهم الموسوعي واتجاههم إلى حفظ سائر الحديث ، أوردوا بعض الروايات المتعارضة ، كالروايات الورادة في جواب : أن المهدي (ع) ماذا نطق في اول ولادته .

أو الواردة في جواب : أن الشلمغاني هل كان وكيلاً للسفير الثالث للإمام المهدي (ع) أو لم يكن ؟ وغيرها .

والإنصاف إن من العجيب والطريف الموجب للاعجاب والإكبار لهؤلاء المؤلفين الإعلام ، أننا نجد أن تعارض الروايات على هذا الصعيد أقل منه بكثير مما هو في الفقه مثلاً . إذ يعاني الفقيه عناء كبيراً للتوفيق بين المتعارضات وحمل بعضها على بعض ، والتوصل في النتيجة إلى الحكم الشرعي المنشود . أما على هذا الحقل التاريخي ، فالبرغم من وفرة الروايات وجهالة جملة من رواتها ، فالروايات متفقة ومتعاضدة ويندر فيها ما يكون من قبيل المتعارضات إلا أقل القليل .

وعلى أي حال فإننا إذ نكون بحاجة إلى تذليل الصعوبة الناتجة عن التعارض ، لننتفع من نتائج الحل في بحوثنا التاريخية ، لا بد لنا أن نسير على إحدى الخطوات التالية :

أولاً : إذا كانت إحدى الروايتين أصح سنداً أو أشهر نقلاً ، أخذنا بها وطرحنا مدلول الرواية الأخرى ، بمقدار التعارض .

ثانياً : إذا كانت الشواهد والقرائن متوفرة على صدق إحدى الروايتين دون الأخرى ، أخذنا ، بما قام الشاهد على صحته وطرحنا الآخر .


صفحة (48)

 

ثالثاً : إذا فقدنا المرجحات بين المتعارضين ، اسقطناهما معاً عن قابلية الإثبات التاريخي ، ولم يكن الأخذ بأي منهما . ولكن إلا نقاط يختص بحدود التعارض في المدلول لا محالة ، ولا يعني ـ بمقتضى القواعد ـ إسقاط سائر ما دلت عليه الرواية ، فيؤخذ به ، مع  توفر سائر الشرائط فيه .

فهذه هي أهم نقاط الضعف ، في أساليب أعلامنا المؤرخين مع بيان النهج الذي سنحاول السير عليه في بحوثنا الآتية.

ثم أننا سنواكب التاريخ مقتسباً من هذا القسم الأخير من أعلامنا المؤرخين ، لنحظى بعدة فوائد دفعة واحدة :

الفائدة الأولى :

أن نعرف تاريخ الأئمة عليهم السلام وأصحابهم ، من المؤرخين المؤمنين بهم الموالين لهم وصاحب البيت أدرى بالذي فيه .

ومن المحتمل بل المعلوم تسرب بعض الحقائق إلى كتبهم مما حجب عن كتب الآخرين أو تعمدوا إلى تركه. فإن نشاط ألائمة (ع) وعلمهم وأقوالهم ، كانت ـ بلا شك ـ بالنسبة إلى أصحابهم أكثر مما هي بين الآخرين. وقد وصلت إلى أجيالهم المتأخرة دون الآخرين .


صفحة (49)

 

الفائدة الثانية :

أن نحظى بزيادات كثيرة غير موجودة في كلام غيرهم ، فإن كلام أعلامنا هو المصدر الوحيد لكثير من الحقائق التي تحل لنا المشكلات وتذلل لنا العقبات وتملأ فجوات التاريخ إلى حد كبير ، وهي حقائق أهملها الآخرون عندما اقتضبوا الكلام في هذا الحقل ، من التاريخ الإسلامي ، الدواعي السابقة التي اسلفناها . فلم يكن من الممكن لهذا الحقل أن يكون تاماً وأن تملأ ما به من فجوات ، بتخصيص الاعتماد على كتب أخوتنا أهل السنة ، في التاريخ العام وغيره .

على أننا سوف نعتمد على كتب هؤلاء المفكرين من تعرض لهذا التاريخ ، كابن خلكان وابن الجوزي والخوارزمي وغيرهم . لنستفيد من أقوالهم في تحديد العصر الذي نؤرخه ، وخاصة في ما سقط من كلام أعلام مؤرخينا غفلة أو عمداً .

الفائدة الثالثة :

أننا نقتبس هذا التاريخ من اهله ، واضحاً صافياً خالياً من الدس ونقاط الضعف والخرافات ، بنحو نستطيع به ـ بكل سهولة ـ أن نناقش ما انفتحت به الألسنة من مناقشات وإشكالات ، ونواجه به سائر الباحثين من مسلمين وغير مسلمين، فإن سائر ما قيل ناشيء إما من الجهل بالتاريخ وعدم الرجوع إلى مصادره الحقيقية، وأما من الاعتماد على الروايات الشاذة والظنون الواهية التي لا تستند على أساس .

فإذا عرضنا التاريخ صريحاً واضحاً ممحصاً ، لم يبق أمامنا إشكال ، ولم يرد عليه أي سؤال .


صفحة (50)

 

وبعد هذه المقدمة ، لا بد لنا من الدخول في تفاصيل التاريخ ، وحيث كنا بصدد عرض تاريخ الإمام المهدي عليه السلام ، في ولادته وغيبته الصغرى . لا بد أن نلتفت إلى الوراء بقليل لنتعرف على تاريخ أبيه وجده عليهما السلام ، لنستطيع ان نلم بوضوح بكل الأسباب التي أدت إلى الحوادث في العصر الذي نؤرخ له .

ومن ثم قسمنا هذا التاريخ إلى قسمين :

صفحة (51)