|
||
|
الشكل الثالث : أنه وإن كان التعصب على ذهن المؤرخ قليلاً ، باعتبار وعيه الإسلامي الصحيح ، إلا أنه على أي حال مناصر لمذهبه ، يود زيادة مؤيديه ورسوخ عقيدتهم فيه . وهو يحتمل ـ على الأقل ـ أنه أن أسهب في بيان تاريخ أئمتنا (ع) وأطال في ذكر أقوالهم وأفعالهم ، فإنه قد يميل بعض أبناء جلدته اليهم ويجد ما يدعوه إلى الإيمان بإيمامتهم وهذا ما لا يريده المؤرخ بأي حال من الأحوال . فهو يترك الإطالة في تاريخهم تمسكاً بمذهبه ومحافظة عليه. السبب الثاني : أن تاريخ الأئمة عليهم السلام ، لا يعيش في أذهان هؤلاء المؤرخين إلا قليلاً ، وفي زاوية مهملة من زواياه فإن الذي يستجلب انظارهم ويستقطب اهتمامهم نحوان من الأشخاص : النحو الأول : الأشخاص السياسيون الذين تسنموا منصباً في الدولة أو داروا في فلك الخلافة أو كانوا أعداء لها وتولوا الحروب ضدها . وبالجملة كل من سلك مسلك الحكم والسلطان . النحو الثاني : الأشخاص الدينيون والعلماء المسلمون الذين يقتضي مذهب هؤلاء المؤرخين الإيمان بهم والدعوة إليهم . ولم يكن أئمتنا ـ في غالب أمرهم ـ من يندرج في أحد هذين النحوين . إذن فلا يجد المؤرخ حاجة في نفسه إلى ذكرهم بأكثر مما تعرض إليه .
السبب الثالث : ما يعود إلى الجهاز الحاكم المعاصر للمؤرخ . إنه من المعلوم أن الصدر الأول من المؤرخين العامة ، كالذين سبق أن سميناهم ، كانوا يعيشون في عهود الدولة العباسية ، التي كانت بمسلكها العام معلنة العداء مع مسلك أهل البيت عليهم السلام وعزل أصحابهم عن المسرح الإجتماعي والسياسي بالكلية . ومن ثم يتخذ المؤرخ ، أحد موقفين : الموقف الأول : الحذر من السلطات واتقاء شرها . وذلك بالتجنب عن الخوض فيما لا يحبون وترك التعرض إلى ما يكرهون . وذلك : إما بترك ذكر تاريخ أئمتنا وأصحابهم أساساً ، كأنهم ليسوا أناساً كانوا في الوجود وقدموا إلى البشرية والإسلام أجل الخدمات . وإما أن يذكرهم لكن بأقل القليل ، من الجانب الذي يكون خالياً من الخطر ، بنحو لا يثير على المؤرخ حقداً أو يحرك نحوه عاطفة . الموقف الثاني : أن يسير المؤرخ في ركاب الحكام ، يواكبهم في أفكارهم ، ويحاذيهم في أساليبهم ، فينخرط إما أجيراً أو كـ "عضو شرف" في الجهاز الحاكم علماً وفكراً ، إن لم يكن عملاً ونشاطاً . ولا ينبغي السؤال ـ بعد ذلك ـ عن شأن ذكر الأئمة عليهم السلام ، في تاريخه ، وهو بهذه الصفة !
صفحة (37) وبالرغم من هذه الدواعي الضخمة ، إلى الحذر والاختصار ، في تاريخ أئمتنا عليهم السلام ، فقد فرض هؤلاء القادة أنفسهم على المؤرخين ، وتمثلت جملة من مواقفهم واتجاهاتهم في كلام المؤرخين . إلى حد نستطيع أن نستخلص منه أحد أمرين: الأول : معرفة مدى رسوخ الذكر الصالح لأئمتنا (ع) في القواعد الشعبية الإسلامية بشكل عام ، وتأكد أعمالهم وعلومهم في أذهان الناس إلى حد كانت المسؤولية الأدبية التي يواجهها المؤرخ في ترك التعرض لتاريخ الأئمة عليهم السلام ، أقوى من ضغط الحكام ومن التعصب المذهبي ، ومن كل سبب رخيص . الثاني : الاستفادة مما ورد في ما ذكره هؤلاء المؤرخون ، عن أئمتنا (ع) في التعرف على بعض حوادث حياتهم وشيء من علو مقامهم وتأثيرهم السياسي والاجتماعي مما يكون مورد نفع كبير ـ بالرغم من اختصاره ووجود الفجوات الكبرى فيه ـ فيما نعتقده فيهم عليهم السلام ، وما نريد أن نؤرخه من حياتهم . القسم الثالث : المؤرخون الإماميون: وهم مؤرخو الأئمة (ع) ، الذين يؤمنون بامامتهم ويعتقدون بقيادتهم ويستضيئون بأفعالهم وأقوالهم . إلا أن الحديث في تواريخهم لا يقل في شجونه عن الحديث في القسمين الأولين ، وإن كانت شجوناً بشكل آخر .
|
|