وعلى أي حال ، فقد كان التعرض لهذه المشكلات وحلها استطراداً على ما نحن بصدده ، من عرض مشكلات تاريخنا الخاص ، وما هو مورد كلامنا في هذا الكتاب . فلئن كان هناك أساليب تخفف من شبهات التاريخ بشكل عام ، وتؤثر بدروها في تاريخنا الخاص ، إلا أن تاريخنا يستقل بمشاكل وعقبات ، يكون تذليلها أصعب وأعمق إلى حد كبير .

صفحة (32)


مشكلات تاريخنا الخاص :

وتتلخص المشكلة التي نواجهها في حقلنا ، وهو تاريخ الأئمة عليهم السلام وأصحابهم ، أن المؤرخين الذين تعرضوا لهذا التاريخ ، على ثلاثة أقسام :

القسم الأول :

المستشرقون : ومن حذا حذوهم وحاول تقليدهم من الشرقيين المسلمين .

ودينهم العام على أن ينظرو إلى التاريخ الإسلامي من زوايا خاصة ، تتلخص فيما يلي :

الأولى: الزاوية المادية التي يؤمنون بها إيمانهم بالحضارة الغربية ووجهة نظرها إلى الكون والحياة ، تلك الوجهة التي نتجت بعد عصر النهضة ، وانتجت فصل الدين عن الدولة والكفر بسائر القيم الروحية والأخلاقية .

الثانية : الزاوية المسيحية : التي تفترض سلفاً ، ومن دون إعطاء أي فرصة للمناقشة ، أن الدين الإسلامي باطل ، وأن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ليس بنبي ، وأن القرآن ليس كتاباً سماوياً ؛ فضلاً عن أصحابه وخلفائه وائمتنا عليهم السلام . فضلاً عن أفكار غيبية قد نؤمن بها ، كالمعجزات ووجود المهدي ، وغيرها .،


صفحة (33)

 

الثالثة : الزاوية الاستعمارية ـ فإن جملة منهم عملاء من حيث يعلمون أو لا يعلمون ؛ للدول التي ينتمون إليها أو للحضارة التي يعيشون فيها . فالمستشرق إما مأجور حقيقة أو "عضو شرف" في قائمة الدس والتلفيق ، حيث يشعر بضرورة الانتصار لدولته أو مصالح دينه أو قومه أو لأي شعار من الشعارات المعادية للإسلام .

على أن الأجر المبذول للتبشير الاستعماري المسيحي ، ليس بالقليل ولا الضئيل ، بل هو مما يعد بملايين يسيل لها لعاب كثير من المفكرين وتشتري بها عقول عدد من الباحثين .

 ومن ثم لم تصلح كتب المستشرقين لاعطاء الباحث صورة واضحة سليمة عن التاريخ الإسلامي . وإنما غاية الباحث في الإطلاع على ما كتبوه، هو التعرف على ما فيها من النقد والدس والتلفيق ، ومحاولة الجواب عليه، وتذليل ما عرضت فيه من مشكلات .

القسم الثاني :

المؤرخون العامة : من مؤرخي الإسلام غير الشيعة الإمامية أولئك الذين يذكرون تاريخ أئمتنا عليهم السلام ، وهم لا يؤمنون بامامتهم ولا طاعتهم ولا قيادتهم .

صفحة (34)

 

وهذا القسم من المؤرخين ، هو الذي تؤلف مؤلفاتهم الجزء الأكبر والأهم من التاريخ الإسلامي العام او التراجم أو الحديث التاريخي ، وأقصد به الروايات التي تتضمن حوادث تاريخية معينة . كالطبري وابن الأثير وابو الفداء وابن خلكان وابن الجوزي وابن الوري ؛ وبعض ما تتضمنه الصحاح الستة من الحديث التاريخي .

وأعدل ما يقال بالنبسة إلى تعرض هؤلاء المؤرخين وأمثالهم إلى حياة الأئمة عليهم السلام : أنه تعرض موجز عابر، يكتفي بالحادثة الواحدة والفكرة الشاردة ، ويتجنب بحذر متعمد الخوض في تفاصيل تواريخهم عليهم السلام .

والسبب في ذلك ، فيما أرى ، يعود إلى عدة أمور :

السبب الأول : التعصب المذهبي الذي يتجلى على أشكال متعددة  في ذهن مؤرخ وآخر :

الشكل الأول :

عدم الإيمان بقدسية الأئمة عليهم السلام وكمالهم . بل الميل إلى ضد ذلك من الطعن فيهم والتنزيل من شأنهم .

الشكل الثاني :

أن المؤرخ وإن كان يؤمن بقدسيتهم وكمالهم ؛ إلا أن ضيق نظره وضحالة تفكيره ، تقوده إلى الاعتقاد بأن شيعتهم أعداء تقليديين له ولأهل مذهبه ، إذن فمن عطل القول أن يهتم بتمجيد قادة أعدائه وأئمتهم .


صفحة (35)