|
||
|
ومن ثم كان أئمتنا (ع) يقتصرون في غالب نشاطاتهم ، على الدوائر الخاصة من أصحابهم ، وفي حدود ارتفاع الضغط ، أو قلته أو المخاتلة معه ، وكانت تتسع هذه الدائرة ، أو تضمر أو بحسب الظروف التي يمر بها الإمام (ع) وتتناسب كثرتها تناسباً عكسياً مع ضعف الجهاز الحاكم . فكان إذا ضعفت الخلافة ، وهي جانبها ينفتح أمام الإمام (ع )في ذلك العصر ، فرصة العمل والجهاد والدعوة كما حدث في زمن الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) الذي عاش في عصر تحول الدولة الإسلامية من الخلافة الأموية إلى العباسية .
فاشتغل ببث العلوم الإسلامية والتعاليم الالهية على أوسع نطاق. وكان إذا قويت الخلافة أو قوي صنائعها والمنتفعون منها ، فإنه ينغلق أمام الإمام (ع) في ذلك العصر ، فرص العمل والجهاد والدعوة ، إلا في أضيق الحدود . كا حدث في العصر الذي نؤرخه ، حيث سيطرت الموالى وجماعة الأتراك على الحكم ، وجعلوا الأئمة (ع) تحت أشد الرقابة وأعمق الحذر .
والموقف نفسه ، كان هو موقف أصحاب الأئمة (ع) والمجاهدين بين يديهم . فإنهم أن توسع أمامهم (ع) في العمل توسعوا وأن ضيق ضيقوا ، وكان الغمام (ع) ينهى أصحابه ، في أوقات الشدة والضيق عن التصريح بما يخالف القانون والسائد والوضع القائم . والإمام (ع) بشخصه ، بصفته الرئيس الفعلي ، لقواعد الشعب الكبيرة ، يكون ـ على كل حال ـ في حصانة جزئية عن التنكيل الفعلي المكشوف من قبل الحاكمين ، لئلا يثيروا عليهم الرأي العام والشعب بأكمله آخذين بنظر الاعتبار ، نظر التقديس والإجلال الذي كان ينظره الناس إلى أئمة الهدي (ع) ، ذلك النظر الذي أجمع المسلمون على صحته وصوابه وإخلاصه ، وإن كان جملة منهم ، لا يؤمنون بامامتهم . ومن ثم كان الإمام في حصانة جزئية من التنكيل الفعلي الصريح وهذا هو الذي كان شأن الأئمة (ع) من الإمام الرضا إلى الإمام العسكري عليهم السلام . مضافاً إلى أن سياسة الخلفاء قامت بالنسبة إلى الإمام الجواد (ع) ومن بعده ، إلى تقريبهم للبلاط ، وإسكانهم في بروج عاجية ، توخياً إلى فصلهم التام عن قواعدهم الشعبية ، ونشاطهم الجهادي ، على ما سيأتي تفصيله .
ولئن كان موقف الأئمة ، محصناً من الناحية الشكلية ، إلا أن موقف أصحابهم وتابعيهم ، ومن عرفه الحكام بالولاء لهم ، كانوا يذوقون سوط العذاب ، إلا أن يتقوا منهم تقاة . فكان أقل ما يلاقيه الفرد منهم العزل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . فينتج من ذلك ـ بكل وضوح ـ أمران : الأمر الأول : ضآلة النشاط السياسي والإجتماعي ، من قبل الأئمة (ع) وأصحابهم ، ذلك النشاط الذي لو كان موجوداً لفتح أفاقاً تاريخية واسعة ، بقيت مطوية وغامضة أمام من يأخذ التاريخ من زاوية موضوعية محضة. الأمر الثاني : إن جملة من أعمال الأئمة (ع) وأصحابهم وأقوالهم ، كانت سوية بطبيعتها وأصل ظروف وجودها ، بحيث لم يكن ليتجاوز خبرها الاثنين أو الجماعة القليلة ، وكانوا يتبانون على ستره وكتمانه بأمر من الامام عليه السلام ، ولم يكن مما يكتب على صفحات التاريخ . شأن كل حزب سري معارض ينزل إلى حلبات الجهاد .
|
|