|
||
|
وتتميز عملية التغيير الإجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف على الموضوعية ، لأن الرسالة التي تعتمدها عملية التغيير هنا ربانية ومن صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية ، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف . ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتى انزلت آخر رسالاتها على يد النبي محمد (ص) لأن الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخرها على الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك.
والظروف الموضوعية
التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير منها ما يشل المناخ المناسب
والجو العام للتغيير المستهدف ،ومنها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة
التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية. فبالنسبة إلى عملية التغيير التي قادها مثلاً لينين في روسيا بنجاح كانت ترتبط بعامل من قبيل القيام الحروب العالمية الأولى وتضعضع القيصرية ، وهذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير، وكانت ترتبط بعوامل أخرى جزئية ومحدودة من قبيل سلامة لينين مثلاً في سفره الذي تسلل فيه إلى داخل روسيا وقاد الثورة، إذ لو كان قد اتفق له أي حادث يعيقه لكان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلك قدرتها على الظهور السريع على المسرح. وقد جرت سنة الله تعالى التي لا تجد لها تحويلاً في عمليات التغيير الرباني على التقيد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التي تحقق المناخ المناسب والجو العام لإجاح عملية التغيير ، ومن هنا لم يأت الإٍسلام إلا بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمر قروناً من الزمن .
فعلى الرغم من قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربانية وخلق المناخ المناسب لها خلفاً بالإعجاز لم يشأ أن يستعمل هذا الاسلوب ، لأن الامتحان والإبتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان يفرض على العمل التغييري الرباني أن يكون طبيعياً وموضوعياً من هذه الناحية، وهذا لا يمنع عن تدخل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أحياناً فيما يخص بعض التفاصيل التي لا تكون المناخ المناسب وإنما قد يتطلبها أحياناً التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب ، ومن ذلك الامدادات والعنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي به الرسالة وإذا بنار نمرود تصبح برداً وسلاماً على إبراهيم ، وإذا بيد اليهودي الغادر الذي ارتفعت بالسيف على رأس النبي (ص) تشل وتفقد قدرتها على الحركة ، وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيمات الكفار والمشركين الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق وتبعث في نفوسهم الرعب ، إلا أن هذا كله لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب والمناخ الملائم لعملية التغيير على العموم قد تكون بالصورة الطبيعية ووفقاً للظروف الموضوعية .
|
|