وعلى هذا الأساس نقطع النظر مؤقتاً عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها ، في هؤلاء الأئمة المعصومين ونطرح السؤال التالي :

أننا بالنسبة إلى عملية التغيير المرتقبة في اليوم الموعود ، بقدر ما تكون مفهومة على ضوء سنن الحياة وتجاربها ، هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل لقائدها المدخر ، عاملاً من عوامل انجاحها وتمكنه من ممارستها وقيادتها بدرجة أكبر ؟

ونجيب على ذلك بالإيجاب ، وذلك لعدة أسباب منها ما يلي :

إن عملية التغيير الكبرى تتطلب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها مشحوناً ، بالشعور ، بالتفوق والإحساس ، بضآلة الكيانات الشامخة ، التي أعد للقضاء عليها ولتحويلها حضارياً إلى عالم جديد ، فبقدر ما يعمر قلب القائد المغير من شعور بتفاهة الحضارة التي يصارعها وإحساس واضح بأنها مجرد نقطة على الخط الطويل لحضارة الإنسان ، يصبح أكثر قدرة من الناحية النفسية على مواجهتها والصمود في وجهها ومواصلة العمل ضدها حتى النصر .


صفحة (
47)
 

ومن الواضح أن الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه ، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان ، فكلما كانت المواجهة لكيان أكبر وحضارة أرسخ وأشمخ تطلبت زخماً أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم .

ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم مليء بالظلم بالجور ، تغييراً شاملاً بكل قيمه الحضارية وكياناته المتنوعة فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله ، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدالها بحضارة العدل والحق.


صفحة (
48)
 

لأن من ينشأ في ظل حضارة راسخة ، تعمر الدنيا بسلطانها وقيمها وآفكارها ، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها لأنه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيراً وهي جبارة ، وفتح عينيه على الدنيا فلم يجد سوى أوجهها المختلفة ، وخلافاً لذلك شخص يتوغل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن تر تلك الحضارة النور ، ورأى الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الأخرى ثم تداعت وانهارت، رأى ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخ ثم رأى الحضارة التي يقدر لها أن تكون الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود ، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبين ، ثم شاهدها وقد اتخذت مواقعها في أحشاء المجتمع البشري تتربص الفرصة لكي تنمو وتظهر ، ثم عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة ويحالفها التوفيق تارة أخرى ، ثم واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج على مقدرات عالم بكامله ، فإن شخصاً من هذا القبيل عاش كل هذه ...


صفحة (
49)