فخرج منها كما دخل سليماً لم يصبه أذى ، إلى كثر من القوانين الطبيعية التي عطلت لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض ففلق البحر لموسى . وشبه للرومان أنهم قبضوا على عيسى ولم يكونوا قد قبضوا عليه ، وخرج النبي محمد (ص) من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلت ساعات تتربص به لتهجم عليه ، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم . كل هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ على حياته ، فليكن قانون الشيخوخ والهرم من تلك القوانين .


صفحة (40)
 

وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنه كلما توقف الحفاظ على حياة حجة الله في الأرض على تعطيل قانون طبيعي وكانت ادامة حياة ذلك الشخص ضرورية لإنجاز مهمته التي أعدَّ لها ، تدخلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لإنجاز ذلك ، وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أعد لها ربانياً فإنه سيلقى حتفه ويموت أو يستشهد وفقاً لما تقرره القوانين الطبيعية .

ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي : كيف يمكن أن يتعطل القانون ، وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية ؟ وهل هذه إلا مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي ، وحدد هذه العلاقة الضرورية على أسس تجريبية واستقرائية ؟

والجواب : أن العلم نفسه قد أجاب على هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي وتوضيح ذلك : أن القوانين الطبيعية يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة ، فحين يطرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخرى يستدل بهذا الاطراد على قانون طبيعي.

 

صفحة (41)
 

وهو أنه كلما وجدت الظاهرة الأولى وجدت الظاهرة الثانية عقيبها ، غير ان العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها ، وصميم تلك وذاتها لأن الضرورة حالة غيبية ، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي اثباتها ، ولهذا فإن منطق العلم الحديث ، يؤكد أن القانون الطبيعي ـ كما يعرفه العلم ـ لا يتحدث عن علاقة ضرورية بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين ، فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتين عن الأخرى في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصماً العلاقة ضرورية بين الظاهرتين .

والحقيقة أن المعجزة بمفهومها الديني ، قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومه بدرجة أكبر ما كانت عليه في ظل وجهة النظر الكلاسيكية إلى علاقات السببية فقد كانت وجهة النظر القديمة ، تفترض أن كل ظاهرتين اطرد اقتران أحدهما بالأخرى ، فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة .

صفحة (42)