ثم أنه امنهم استجابة لإبراهيم بن يحيى المهلي ، ونادى مناديه من أراد الأمان فليحضر إلى دار إبراهيم . فحضر أهل البصرة قاطبة حتى ملؤا الرحاب . فلما رأى صاحب الزنج اجتماعهم ، انتهز الفرصة لئلا يتفرقوا ، فغدر بهم وأمر أصحابه بقتلهم ، فكان السيف يعمل فيهم وأصواتهم مرتفعة بالشهادة ، فقتل ذلك الجمع كله ولم يسلم إلا النادر منهم . وأحرق الجامع ، واحترقت البصرة في عدة مواضع مها ، وعظم الخطر ، وعمها القتل والنهب والإحراق ، فمن كان غنياً أخذوا ماله وقتلوه ، ومن كان فقيراً قتلوه لوقته (1) . ومثل ذلك عمل الزنج بعبادان الأهواز والأبله (2) وأبي الخصيب(3) .

وحين رأت الدولة ذلك منه ، ناجزته القتال ببعض قوادها كسعيد الحاجب (4) ومحمد المولد(5) وموسى بن بغا (6) إلا أنهم لم يؤثروا شيئاً ، وكان يستظهر عليهم صاحب الزنج ، وكانت اليد الطولى في محاربته ومصابرته والقضاء عليه في النتيجة ، لأبي احمد الموفق طلحة بن المتوكل (7) ، بمعونة ولده أبي العباس المعتضد الذي أصبح أول خلفاء بغداد بعد أفول نجم سامراء .
ـــــــــــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 5 ص 362 .    (2)    المصدر ص 359 .

(3)    المصدر ص 358 .            (4)    المصدر ص 361 .

(5)    المصدر ص 363 .           (6)    المصدر ص 367 .

(7)    الكامل جـ 5 ص 395 ، وانظر العبر جـ 2 ص 15 .
 

صفحة (73)

 

والتحق لمعونته أخيراً عام 269هـ لؤلؤ غلام أحمد بن طولون الذي انشق على مولاه ، وسار إلى الموفق وهو يقاتل الزنج (1) وكان له يد طولى في القضاء على حركة الزنج في آخر آيامها (2) حتى قيل في عسكر الموفق (3) :

      كيفما شئتم فقولوا             إنما الفتح للولو

ولم يكن لجيش الموفق تجاه الزنج رحمة ، وإنما كانت الحرب معهم حرب إبادة ، وقد أعمل معهم سائر أنحاء القتل من الإحراق والإغراق والمطاردة وغير ذلك(4).واستنفذوا ما لا يحصى من النساء والصبيان والمساجين(5).

واستأمن إلى الموفق عدداً من قواد الزنج قبل قتله وبعده(6) ، وقد كان لقتله والقضاء على حركته أثر كبير على سائر الناس بالشعور بالسرور والأمن ، وقيلت في ذلك أشعار كثيرة (7) .

وقد أثرت مواقف الموفق هذه على سيطرته التامة على الأمور كلها في الدولة ، على الجيش والتعامل مع ولاة الأطراف وجباية الأموال وعزل وتنصيب الوزراء (8) ،

ــــــــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 6 ص 49 .       (2)    المصدر ص 51 .

(3)    المروج جـ 4 ص 124 .   (4)    انظر مثلاً ص 46 جـ 6 من الكامل وغيرها .

(5)    انظر المصدر ص 47 .       (6)    المصدر ص 53 .

(7)    المصدر ص 53 ـ 54 .     (8)    المصدر ص 17 .


صفحة (74)

 

حتى لم يبق لأخيه المعتمد من الخلافة إلا اسمها ، ولا ينفذ له توقيع لا في قليل ولا في كثير (1) حتى قال :

    أليس من العجائب أن مثلي             يرى ما قل ممتنعاً عليه

في ثلاث أبيات ، سبقت .

وبقي الموفق على ذلك حتى مات عام 278هـ (2) . فاجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولاية العهد ، ولقب المعتضد بالله (3) ولا يخفى ما اكتسابه القوة والسيطرة أثناء حربه للزنج ، وتمرسه على أنحاء القتال والقيادة ، في تولي الخلافة في العام الذي يلي، أي عام 279هـ ، بعد المعتمد ، فكان أول خلفاء بغداد ، بعد أفول نجم سامراء .

السابع : من خصائص هذا العصر. وليست من مختصاته ، حصول ثورات متعددة في الأطراف داعين إلى الرضا من آل محمد (ص) ، أو متمردين على الظلم والعسف الذي كان ينال المجتمع بشكل عام ، وينالهم بشكل خاص .

والفكرة الأساسية التي كانت تقوم عليها الدولة ، وقتئذ بجميع أجهزتها وطبقاتها ، هو النفرة من العلويين ، ومطاردتهم والضغط علهيم .

ــــــــــــــــــــــ

(1)    المصدر ص 49 .

(2)    المصدر ص 67  وما بعدها .

(3)    المصدر ص 69 .


صفحة (75)