ويبدأ نشاطهم الملحوظ في هذه الفترة ، عام 252هـ حين قام مساور بن عبد الحميد بن مساور الشاري البجلي الموصلي ، قائد الشراة ، وهم الخوارج الذين يدعون إنهم شروا الآخرة بالدنيا .

واستولى مساور على أكثر أعمال الموصل وقوي أمره. فقاتله والي الخليفة على الموصل قتالاً شديداً ، فاندحر، فاشتد أمر مساور وعظم شأنه وخافه الناس(1) . وذلك عام 245هـ. وكان أن صلى بالمسجد الجامع بالموصل صلاة الجمعة بالناس وخطبهم (2). وفي عام 255هـ قاتله عسكر الخليفة فانتصر مساور أيضاً وانهزم عسكر الخليفة (3) .

وفي عام 256هـ ، ثار بوجه مساور الشاري أحد الخوارج ، بسبب اختلاف بينهما في بعض المسائل الكلامية، فاقتتلوا اقتتالاً شديداً أدى إلى فوز مساور وانهزام الخارجي الآخر ، وقتل أكثر جيشه (4) .

وبلغ مساور من السيطرة والقوة أن استولى على كثير من العراق ومنع الأموال عن الخليفة فضاقت على الجند أرزاقهم (5) . وبقي على مثل هذه الحال إلى أن مات عام 263هـ (6) .

ـــــــــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 5 ص 339 .    (2)    المصدر ص 246 .

(3)    المصدر ص 350 .           (4)    المصدر ص 354 وما بعدها .

(5)    المصدر 355 .                (6)    المصدر جـ 6 ص 15 .
 

صفحة (70)

 

واختلف الخوارج إلى من يرجعوا بعده ، وحدث لذلك بينهم قتال ، حتى تم أمرهم على هارون بن عبد الله البجلي الشاري(1) .

السادس: من خصائص هذا العصر ولعله أبعدها خطراً وأعمقها أثراً، ويختص بالقسم الثاني من خلافة سامراء، عند ازدياد ضعفها وتفسخها ، وذلك في عهد المهتدي والمعتمد. وهو ظهور صاحب الزنج الذي قتل الألوف من النفوس وهتك الآلاف من الأعراض ، احرق عشرات المدن وسبب بشكل غير مباشر إلى أمرين مهمين :

أحدهما : ضعف الخلافة في عهد المعتمد ، وبقاء الخليفة صورة بلا واقع لا حل له ولا عقد .

ثانيهما : ترسخ قوة الخليفة في عهد المعتضد ، وذلك بعد انهيار الزنج وزوال سامراء كعاصمة للخلافة .

وصاحب الزنج هو الرجل الذي ثار في البصرة عام 255هـ(2) اسمه علي بن محمد ، وزعم أنه علوي ، يتصل نسبه بزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . ولم يكن كذلك ، على ما يذكر التاريخ ، فإن نسبه في عبد قيس ، وأمه من بني أسد بن خزيمة (3) .

واستمر يعيث في المجتمع فساداً خمسة عشر عاماً ، إلى أن قتل عام 270 هـ (4) .

ـــــــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 6 ص 15 .

(2)    المصدر ص 346 جـ 5 وابن الوردي جـ 1 ص 233 .

(3)    نفس المصدر والصفحة .

(4)    المصدر جـ 6 ص 51 .

 

صفحة (71)
 

وعمدة ما ارتكز عليه في ثورته ـ مضافاً إلى دعواه الانتساب بالنسب العلوي ـ أنه وجد دعوته بشكل رئيسي إلى العمال والطبقة الكادحة من الشعب ، وخاصة العبيد المماليك منهم ، تلك الطبقة التي تلاقي من ارهاق مستخدميها ومالكيها ومن ضغط الدولة أنواع الذل والشقاء . ومن ثم سمى صاحب الزنج أي قائد العبيد . فبدأ بعبيد أهل البصرة ودعاهم للاقبال إليه للخلاص من الرق والتعب ، فاجتمع عنده منهم خلق كثير ، فخطبهم ووعدهم أن يقودهم ويملكهم الأموال وحلف لهم بالإيمان أن لا يغدر بهم ولا يخذلهم . فأتاه مواليهم وبذلوا له على  كل عبد خمسة دنانير ليسلم إليه عبده ، فأمر من عبده من العبيد فضربوا مواليهم أو وكلاءهم ، كل سيد خمسمئة سوط (1) . وكان هذا أول الشر. واكتسب العبيد بذلك قوة واندفاعاً وحماساً مضاعفاً ، استطاعوا أن يكتسحوا بها منطقة ضخمة من البلاد .

واتسع شرهم من البصرة إلى عبادان وإلى الأهواز(2) ودستميسان (3) وواسط (4) ورامهرمز(5) وما بينهما من البلدان والمناطق . وحين احتلوا البصرة ، حاربوا أهلها بجيش من الزنج والإعراب ثلاث أيام .

ـــــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 5 ص 347 .    (2)    المصدر ص 359 .

(3)    المصدر جـ 6 ص 8 .      (4)    المصدر ص 16 .

(5)    المصدر ص 23 . 

صفحة (72)