|
||
|
وثانيهما: استقطاب المهام التي كان يقوم بها ، والحوادث التي كان يعيشها .. بشكل منفرد بعيد عن الانتباه وتسليط الأضواء والضوضاء .. لا يكاد يعرف بكل مهمة أحد إلا أهل الصلاة بها. وحيث كان اخفاء ولده من مهامه الرئيسية ، فلم يكن ذلك بممتنع عليه بعد تخطيط الاحتجاب . وقد ساعد على الاخفاء أيضاً مساعدة كبيرة ، تحول انتباه الدولة والمجتمع إلى حرب صاحب الزنج الذي بدأ أعماله التخريبية في جنوب العراق والأهواز في عام ميلاد المهدي عليه السلام .. عام 255 على المشهور في ميلاده . والمتتبع للتاريخ العام يعرف ما أوجده هذا المخرب من الفزع والقلق في اذهان الشعب عامة والجهاز الحاكم خاصة . ومن المعلوم ان المجتمع الذي يسوده القلق الذهني يكون فكره مركزاً على ما يخاف منه ومن الصعب أن يلتفت إلى شيء آخر . كالفرد الواحد اذا خاف وحشاً تركز نظره وفكره وقوته عليه . فكذلك المجتمع بشكل أو بآخر. فكان وجود صاحب الزنج خير صارف ذهني للفهم العام عن الالتفات إلى ميلاد الامام المهدي عليه السلام.
إلا ان هذه الفكرة سوف تبقى تجيش بشكل غامض في ذهن السلطات المتمثلة في
الخليفة المعتمد نفسه .. وتتجلى بأوضح صورها على ما سوف يقوم به عند وفاة
الامام العسكري عليه السلام. اذ يكون المعتمد في ذلك
الحين مرتاحاً بعض الراحة
من الناحيتين السياسية والعسكرية .. بعد ان أوكل قتال صاحب الزند إلى اخيه ابي
أحمد الموفق ، قبل عامين .. سنة 258هـ كما عرفنا ، وقد استقل الموفق تدريجاً بالحرب
وغير الحرب من شؤون الدولة وعزل الخليفة عن الأمر والنهي
وعن النشاط السياسي بالكلية. فمن هنا توفر للمعتمد بعض الوقت للتفكير في أمر
آخر ... هو البحث عن الوريث الشرعي للامام عليه السلام. صفحة (274)
وعلى أي حال ، لم يكن إلى حد التاريخ الذي نتكلم عنه ، قد ثار حول ولادة المهدي (ع) أي احساس أو التفات أو شك من قبل المجتمع أو السلطات .. نتيجة لمجموع هذه الخصائص والملابسات ... وكأنه حادث غير موجود !! . وإلى هنا استطاع الامام الحسن العسكري عليه السلام أن يضمن بكل بساطة .. حماية ولده المهدي عليه السلام من الجهاز الحاكم ومن كل من يدور في فلكه .. وبذلك قام بالوظيفة الثانية خير قيام . واما الوظيفة الأولى له عليه السلام ، وهي اثبات وجوده للتاريخ وللأمة الاسلامية عامة ولمواليه خاصة ... فكان يجب – تحت الظروف التي عاشها الامام – ان تتقلص وان تضمر ، وان يختص التبليغ بوجوده ورؤيته ، بكل شخص يعلم من قوة ايمانه واخلاصه في عقيدته ان له من صلابة الارادة ما لا يمكن أن تلين أمام أي ضغط من السلطات بحيث يكون على استعداد ان يقدم نفسه فداء في سبيل امتثال أمر امامه (ع) بالكتمان. كما انه لا بد ان يعلم من رجاحة عقله اتزانه ولباقته ، انه يكتم ذلك في المجتمع كتماتاً تاماً ، ولا يتهور بإذاعة السر إلى من لا ينبغي ان يذيعه له ، وله الخبرة الكافية بالخاصة الذين يمكن ان يتبادل واياهم هذا الخبر ... وهكذا كان .. وبمقدار هذا التبليغ خطط الامام العسكري عليه السلام .
صفحة (275)
وكان هذا سبباً لحجب المولود الجديد ، حجباً تاماً مطلقاً عن الجمهور غير الموالي له. بل حتى عن جمهور الموالين ممن لم يحرز فيه قوة الارادة وعمق الاخلاص. وكان كل من يطلعله الامام على المولود الجديد ، فيرويه اياه أو يخبره عنه ، مكلفاً تكليفاً الزامياً بأمرين لا مناص له منهما ، وهو يطبقهما بإعتبار اخلاصه وقوة ارادته وايمانه . وهما: أولاً : وجوب الكتمان . وقد سمعنا فيما سبق ان أحد الأصحاب يقول للآخر : ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد (ع) وأمر بكتمانه ويكتب الامام العسكري عليه السلام لأحمد بن اسحاق : ولد لنا مولود ، فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً. فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والمولى لولايته. احببنا إعلامك ليسرك الله به ، مثل ما سرنا به . والسلام (1) . وقد عرفنا ، بكل وضوح وجه المصلحة في هذا الكتمان . ثانياً : حرمة إطلاع أحد على اسمه عليه السلام . وهو أسلوب في الكتمان ورد التأكيد عليه بشكل خاص . ولا يخفى ان اسم المهدي المنتظر أساساً ، معلوم لدى الأمة ، بإخبار نبيها (ص) حين قال: اسمه إسمي . وهذا يعني بكل وضوح ان اسمه محمد . وهذه المعرفة لا يختلف فيها الناس من موالين وغيرهم . ــــــــــــــــــــ (1) انظر إكمال الدين المخطوط .
|
|