|
||
|
ويبقى على الامام العسكري عليه السلام، وظيفة مزدوجة تجاه ولده الجديد ، تحتاج كل منهما إلى تخطيط خاص، ويحتاد الجمع بينهما إلى غاية في الحذر واللباقة الاجتماعية . الوظيفة الأولى: اثبات وجود الامام المهدي عليه السلام تجاه التاريخ وتجاه الامة الاسلامية ، وتجاه مواليه الذين يعتبرون المولود الجديد امامهم الثاني عشر بحسب نص النبي (ص) حين قال : يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . فليس من الممكن ولا المنطفي أن يبلغ الحذر والتوقي إلى اخفائه الكامل بحيث يؤدي انطماس اسمه وانكار وجوده . مع كونه عليه السلام الامام الثاني عشر لمواليه والقائد المذخور لدولة الحق . على انه لا بد من اقامة الحجة في وجوده على الموالين خاصة وعلى المسلمين عامة ، بحيث يكون هناك تواتر في الأخبار عن وجوده ورؤيته ، يدحض به قول من يزعم وجوده ورؤيته ، أو انه ليس للامام العسكري عليه السلم من ولد. الوظيفة الثانية: حماية الامام المهدي عليه السلام من السيف العباسي والمطاردة الحكومية، التي عرفنا مناشئها وتخطيط السلطات لها ، وتجنيد كل قواها وعيونها من اجلها . اضف إلى ذلك ما اشرنا اليه من ان الجهاز الحاكم ، كان يعرف في دخيلة نفسه حق الامام ودالة قضيته وصدق قولة.
وانما كان يمنعهم عن اتباع الحق : الملك العقيم والمصالح العريضة المتعلقة بالخلافة العباسية مضافاً إلى تعصب وراثي قديم . ومن هنا كانوا يشعرون ان ولادة المهدي عليه السلام، وهو الشخص الذي ملأ رسول الله (ص) أسماعهم بانه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ضلماً وجوراً ... ان ولادته يعني الحكم على نضامهمبالموت المحتم وفضح مخططتهم المنحرفة وأساليب عصيانهم لأوامر الاسلام واهمال طاعة الله تعالى وعدم الاهتمام بالأمة الاسلامية. وبعبارة اقرب: انهم كاموا يدركون ان مجتمعهم الذي يحكمونه قد امتلأ .. بفعل انحرافهم وسوء تصرفهم... ضلماً وجوراً. إذن فمن المنطقي ان يتصدى الامام المهدي عليه السلام لكي يملأه قسطاً وعدلاً... وهذا ما يخافونه ويرهبونه.
وهم وإن لم يحددوا بالضبط تأريخ
ميلاد الأمام المهدي عليه السلام، لمدى السرية التامة المحاطة فيها تحاههم...
إلا انهم يعلمون، على الاجمال ان زمانه قد اظلهم وانه على وشك الوجود. فانه
يكفيهم ان يعرفوا ان الامام العسكري غليه السلام يكون في السلسلة التي وعد بها
رسول الله (ص) الاما الحادي عشر... لكي يكون ولده الثاني عشر... وهو
المهدي. ويدل على ذلك أيضاً وعلى جهلهم بتحديد التأريخ ما نعرض له من مراقبتهم
للحوامل عند وفاة الامام العسكري (ع) ظناً منهم بوجود الامام المهدي (ع) جنبناً
في رحم احدى النساء. مع انه كان مولودا ً قبل خمس سنوات، كما أطلع على
ذلك الخاصة من مواليه.
ومن هنا كان عمل السلطات في تلك الظروف اقرب شبهاً بالحركات العصبية التي يقوم بها المخنوق عند خنقه أو الغريق قبل انقاذه .. فإنها تعلم بوجود شيء خطر مشرف عليها ، شديد الاهمية بالنسبة اليها .. ولكنها تشعر بالعجز تجاهه ، ضيق الباع في الوصول اليه والوقوف عليه . بالرغم من وجود القوة والمال والضمائر الاجيرة في جانبها، وليس في الجانب الآخر إلا العزل والفقراء والمضطهدون ... ولعلها تحس تجاه ذلك بالتحدي لقوتها وعزتها فتزيد من نشاطها وتبذل المستحيل في سبيل الحصول على الامام المهدي (ع) والقبض عليه . فكانت هاتان الوظيفتان المزدوجتان للامام العسكري عليه السلام ، توقفه في موقف غاية من الدقة والحرج .. وبخاصة وان كلتا الوظيفتين ضرورية بالنسبة اليه لا يمكنه ان يتخلى عنها . ويزيد الموقف دقة ، ان الامام العسكري يعيش في هذا المجتمع الصاخب ، تحت الأضواء المسلطة عليه من كل الجهات والرقابة الاحتماعية التي تلاحقه ، لعدة اسباب : منها : انه الرجل المثالي الاسلامي في عبادته واخلاقه وعلمه ونسبه في نظر الجميع. ومنها : انه القائد والموجه لقواعد شعبية واسعة من المسلمين . ومنها : انه يمثل جبهة المعرضة ضد السلطات الحاكمة.
صفحة (272)
ومنها: ان الحكومة تستمر في تقريبه من البلاط ودمجه في الحاشية . ومن المعلوم ان الشخص الذي يكون له بعض هذا الخصائص ، فضلاً عن جميعها يكون لولده اهمية كبيرة وخبراً منتشراً واسعاً ، وخاصة إذا كان للمولود اهمية خاصة .. كان مهدي هذه الامة . اذن فمن طبيعة المجتمع ان تتوجه الانظار من كل حدب وصوب إلى ميلاد الامام المهدي عليه السلام ، وبخاصة من قبل السلطات الذين يعيش في بلاطهم ويزوره في الاسبوع مرتين. ومن ثم كان أقرب تخطيط للخروج من هذا المأزق ، ترك الاعلان الاجتماعي عن ولادة المولود الجديد بالكلية ، وكأن شيئاً لم يحدث على الاطلاق ، بالنسبة إلى الفهم العام ، وترك الأحداث تسير في مجراها الاعتيادي من دون اثارة أي انتباه أو فضول أو شك من أحد في شيء من النشاط أو القول أو العمل . حتى ان خادم الباب في بيت الامام العسكري لم ينتبه إلى شيء ولم يفهم شيئاً(1) واذا لم يحصل الشك والانتباه لم يحصل الفحص والسؤال . ومما ساعد الامام العسكري(ع) على الاخفاء مساعدة كبرى ، تطبيقة سياسة الاحتجاب على نفسه ، وانقطاعه عن أصحابه ومواليه إلا بواسطة المراسلات ، كما عرفنا ، حيث استطاع عليه السلام بذلك تحقيق نتيجتين اساسيتين: احداهما : تعويد قواعده الشعبية على فكرة الاحتجاب والقيادة غير المباشرة ، كما سبق ان أوضحنا. ــــــــــــــــــ (1) انظر اكمال الدين . (مخطوط) .
|
|