الذهب وحبة يأتي بها شخص آخر(1) . فكن على ذكر من ذلك ، فإنه يشكل احدى النقاط الرئيسية لنشاط نواب الحجة المهدي عليه السلام بعد الامام العسكري عليه السلام .

وإذ يتشكل من هذه الواردات المال الضخم الذي يمكنه أن يسد حاجات الآلاف من المحتاجين ويمول العشرات من المشاريع الاجتماعية الضخمة .. نرى الامام الهادي عليه السلام فيما سبق يبذل في احدى اعطياته تسعين الفاً من الدنانير لثلاثة من أصحابه . وترى الامام العسكري الآن يبذل ما يفوق هذا الرقم باكثر من ضعفة ، حيث وصل الرقم غلى مآتي الف دينار ، اعطاه لاثنين من مواليه .

فقد حج أبو طاهر بن بلبل ، فنظر إلى علي بن جعفر الهمداني وهو ينفق النفقات في الحجاز ، والرواية وان لم تصرح بالوجوه التي كان ينفق فيها هذه الأموال، حفاظاً على منهج الكتمان . إلا ان ضخامة الارقام تلنا على كونه مشروعاً اجتماعياً ضخماً أو عدة مشاريع، واقرار الامام اياه وامداده له يدل على اخلاصه وتوفر المصلحة الاسلامية فيه .

ـــــــــــــــــــ

(1)  الخراج والجرايح ص 113 .

(2)  انظر المناقب ج 3 ص 526 .


صفحة (205)

 

وتستطيع أن تلاحظ بوضوح ، كيف استطاع الامام ، وهو المضطهد الممتحن مع كل مواليه ، ان يقبض هذه الأموال من مواردها وان يعطيها في مصادرها طبقاً للمصالح التي يراها ، بشكل تقف الدولة العباسية تجاه عاجزة مكتوفة الأيدي عن منعه ، بالرغم من بذل اقصى وسعها في ذلك . ولا زال في الذهن ما سمعناه في تاريخ الامام الهادي كيف انها تحاول السيطرة على كل مال يرد اليه ، حتى ولو وصل في جوف الليل . مع ذلك استطاع الامام العسكري (ع) ان يسيطر وان يكون له زمام المبادرة إلى ذلك ، باعتبار مسلك السرية والرمزية الذي يلتزمه. الأطراف في الأخذ بهذا المسلك.

وعلى أي حال، فهذا مثال لعطائه الضخم ومساعداته الاجتماعية الكبرى . وأما اعطياته على المستوى الخاص، فاكثر من أن تحصى : فمنها : سبيكة من الذهب بقدر بنحو خمسمائة دينار اعطاها الامام عليه السلام لابي هاشم الجعفري ، إذ شكا اليه الحاجة . وقال : خذها يا إبا هشم واعذرنا.

ومنها: المئة دينار التي أرسلها اليه أيضاً مرفقة بكتاب يقول عليه السلام فيه: إذا كانت لك حاجة فلا تستح ولا تحتشم وأطلبها تأتيك على ما تحب إن شاء الله (1) .

ـــــــــــــــــــ

(1)   انزرهما في الارشاد ص 322 .


صفحة (206)

 

ومنها: أيضاً الخمسمائة درهم التي أعطاها لعلي بن ابراهيم والثلاثمئة التي أعطاها لإبنه محمد .. اعطاهما دون أن يقابلهما .. أوصلها اليهما خادمه(1). وهذا جزء من مخطط الاحتجاب الذي كان يسير عليه الامام العسكري علية السلام تمهيداً لغيبة ولده المهدي (ع) وقد سبق ان عرفنا صوراً منه أيضاً .

النقطة الثالثة : موقفة (ع) في نصح أصحابه وتوجيههم ورفع معنوياتهم .

إذ هم في معمعة التضحية الاجتماعية الكبرى .. تلك التوجيهات التي تشكل حجر الزاوية في تأجيج نار الايمان ونور الاخلاص وعاطفة العقيدة عند أصحابه ومواليه ، وزرع روح التضحية والجهاد فيهم .. وهم أحووج ما يكونون إلى التضحية والجهاد .

وهذا التعليم والتوجيه كان مستمراً من كل أمام من آبائه عليهم السلام تجاه مواليه وأصحابه في عصره ، بالشكل الذي يتلائم وحوادث ومتطلبات ذلك العصر . ومن هنا نجد ان الامام العسكري يشارك آباءه في هذا التعليم الايماني والتوجيه الجهادي ، حفاظاً على الخط العريض ، وسيراً على المخطط الكبير الذي التزموه عليهم السلام . فنجد أن شخصاً من أصحابه يكتب اليه يشكو اليه الفقر . وقد سبق ان سمعنا شكايات عديدة مماثلة ، ونحن نعرف منشأها بوضوح .. ان الفرد من أصحاب الامام عليه السلام لو ذاب في الدولة وساير الحكام وباعهم ضميره ونشاطه ، لنال عندهم المال الوفير والعيش الرغيد والجاه العريض ، وانما عانت هذه الزمرة المضطهدة الفقر ، باعتبار ما تحاوله الدولة العباسية على استمرار من ابعادهم عن المسرح الاجتمافي والاقتصادي والسياسي ، وتواجه أمامها لديهم صموداً ونبلاً وإرادة . فكانوا ينزلون عمومهم وآلامهم بقائدهم الأعلى وموجههم الأكبر .. امامهم العسكري (ع) .

ـــــــــــــــــــ

(1)   انظر المناقب ج 3 ص 537 .


صفحة (207)